يشارك فيلم "ما وراء الخطوط" في مهرجاني كان للمسلسلات الوثائقية في فرنسا و Vision du Reel في سويسرا، وهو من إخراج عضويتين من شبكة ماري كولفن للصحفيات: آلاء عامر وأليسار حسن. يحكي الفيلم عن أماني، فنانة رسم كاريكاتوري من إدلب، والتي تحاول من خلال رسوماتها التعبير عن صعوبة الحياة على النساء في إدلب، ما بين قصف طيران النظام السوري وسطوة الجماعات الإسلامية والنظام الأبوي على الأرض. وقد استغرق تصوير الفيلم ثلاثة أعوام اضطرت خلالها آلاء وأليسار للعمل عن بعد نظرا إلى خطورة الوضع على الأرض، وكادت أماني أن تغادر أهلها وحياتها في إدلب.
كيف تعرفتما على بعضكما البعض ومن أين أتت فكرة الفيلم؟
كنا نبحث عن طريقة مختلفة لنروي حكاية الناس في إدلب، بدلا من استعراض المأساة وألم الناس بشكل فج.
آلاء: تعرفت على أليسار في اسطنبول عندما تقدمت بطلب للعمل في إذاعة "صوت راية" الذي كانت قد أسسته وتديره آنذاك. عملتُ معهم كمديرة برامج وبعدها بسنة انتقلنا معا للعمل في تلفزيون سوريا. منذ البداية لم تكن علاقتنا مهنية بحتة بل أصبحنا صديقتين وعندما تركنا التلفزيون شعرنا أننا نريد العمل على مشروع خاص بنا. أليسار لديها تجربة في العمل في أفلام وثائقية ـ هي كاتبة سيناريو فيلم "الكهف" الذي ترشح للأوسكار عام 2020 ـ ومن هنا أتت فكرة العمل معا على فيلم وثائقي.
أليسار: كنا نبحث عن طريقة مختلفة لنروي حكاية الناس في إدلب، بدلا من استعراض المأساة وألم الناس بشكل فج. أردنا أن نظهر كيف يمكن أن يلعب الأفراد هناك دورا في التغيير. عثرتُ على تقرير عن أماني، رسامة كاريكاتور سياسي، فتواصلت معها وعرضت عليها فكرة عمل فيلم وثائقي عن حياتها ووافقت على الفور. في البداية لم يكن لدينا تمويل ولكننا أردنا العمل معا لأن هناك الكثير من الأمور المشتركة بيننا كصديقتين، فبدأنا العمل بتمويل ذاتي لمدة عام قبل أن نعثر على شركة إنتاج. واستغرق تصوير الفيلم ثلاثة أعوام.
وجود مخرجين اثنين في فيلم واحد هو أمر ليس بالسهل، فكيف تمكنتما من العمل معا وتوزيع الأدوار؟
آلاء: لم يكن هناك نقاش بيننا حول كيفية توزيع الأدوار. أنا وأليسار نشبه بعض كثيرا وأعرف هي كيف تفكر والقرارات كانت مكملة لبعضها البعض. لا يخلو الأمر من قرارات كانت تستغرق منا أياما من النقاش. ولكن في النهاية كل القرارات كانت نابعة عن قناعات مشتركة. لم يمر قرار شعرت أنه قرار أليسار وليس قراري. كل شيء كان بالاتفاق.
المشهد الأول من الفيلم يتخلله اتصال هاتفي بينكما وبين أماني، تخبرانها فيه أنكما لن تتمكنا من المجيء إلى إدلب بسبب خطورة الوضع، وأنكما تريدان إرسال مصوّر اسمه عبده. فكيف تمكنتما من الإخراج على مدى ثلاث سنوات عن بعد؟
أليسار: كان تحديا كبيرا، وفي بعض الأحيان كانت هناك نقاشات طويلة وصعبة مع أماني. لو أننا كنّا هناك لكان الأمر أسهل بكثير. من الصعب أن تعطي المصور تعليمات عن بعد. وكنا ننتظر أياما إلى أن تصلنا المواد المصورة للاطلاع عليها.
آلاء: كان على أماني أن تقنع أهلها بالموافقة على دخول مصوّر شاب إلى البيت والتصوير معها لأنها من بيئة محافظة. ولكنها تتمتع بشخصية قوية ولديها القدرة على الإقناع. عائلة اماني أيضا تثق بها وتدعمها ولولا هذه الثقة لما استطاعت اماني تصوير الفيلم من خلال تواجد عبده الشبه يومي في بيت العائلة.
أليسار: أردنا من خلال الفيلم أن نعيش مع أماني حياتها اليومية بحيث لا يشعر المشاهد بوجود الكاميرا. لذا قررنا أن لا نصور معها مقابلات بالشكل التقليدي بأن تجلس أمام الكاميرا وتجيب على أسئلة. كان عبده يقضي أياما هناك لتصوير تعاملاتها اليومية مع أهلها، ومع ابنة شقيقتها بيسان، والنساء اللواتي كانت تعطيهن دروسا في الرسم. هذا النوع من الوثائقيات يستغرق وقتا في الأساس لكي نتمكن من بناء قصة. كنا نعرف أيضا أن أماني كانت تفكر جديا بالرحيل عن إدلب ولذا كان من الضروري أن نستمر في التصوير معها إلى أن تحسم قرارها لأن هذه كانت نهاية القصة. ولكن إضافة إلى ذلك كنّا نصور أثناء الحرب وهذا خلق لنا مشاكل إضافية.
كيف أثرت الحرب، وجائحة كورونا أيضا، على التصوير؟
أليسار: هناك مشاكل يومية، ففي بعض الأحيان لم يتمكن عبده من الذهاب إلى منزل أماني إما بسبب انقطاع البنزين أو عدم وجود أقراص (هاردـدرايف) لتصوير وتحميل المواد. وبطبيعة الحال لم نكن نطلب من فريقنا الذهاب والتصوير أثناء القصف كي لا نعرض حياتهم للخطر. ولكن في أحد الليالي كان هناك قصف عنيف وقرر عبده الذهاب لوحده إلى منزل أماني ليطمئن عليها وصوّر معها دون أن يكون لدينا علم بذلك. اللقطات من تلك الليلة هي الآن في المشاهد الأخيرة من الفيلم.
ألاء: في بعض الأحيان كان الفريق يعمل مع أماني عندما يبدأ القصف فجأة. من عاش تجربة الحرب يعرف أنه مع الوقت يصبح القصف وكأنه أمرا عاديا وجزءا من الروتين اليومي، فكان الفريق يستمر في العمل لأنه جزء من محاولة العثور على طريقة للاستمرار في الحياة. أما بالنسبة للكورونا فالناس في إدلب تعاملوا مع الأمر بأسلوب مختلف. مع أنهم كانوا يخافون من الفيروس والذي تسبب بالفعل بوفاة الكثيرين، إلا أن القنابل والبراميل المتفجرة كانت الخطر الأكبر بالنسبة لهم.
ترددنا في وضع مشهد عن بيسان في الفيلم لأننا كنا نخشى أن يؤثر عليها بعد أن تكبر. ولكننا شعرنا أن هذا المشهد لا يتعلق ببيسان وحدها وإنما يحكي عن أثر الحرب على كل الأطفال في إدلب
ما هي أصعب المواقف أو القرارات التي اضطررتما لاتخاذها في هذا الفيلم؟
آلاء: أصعب مشهد بالنسبة لي في الفيلم هو لبيسان ابنة شقيقة أماني، في عيد ميلادها. بيسان طفلة تساقط جزء كبير من شعرها وفقدت حواجبها بسبب الرعب الذي عاشته جراء القصف، وفي يوم ميلادها كانت تبكي بسبب ذلك فقررت أماني أن ترسم لها حواجب. ترددتُ كثيرا وتساءلت إن كان من الصواب أن نضع هذا المشهد في الفيلم لأنني كنت أخشى أن يؤثر على بيسان بعد أن تكبر. ولكننا شعرنا أن هذا المشهد لا يتعلق ببيسان وحدها وإنما يحكي عن أثر الحرب على كل الأطفال في إدلب، كما أننا كنا قد حصلنا على موافقة أهلها، وبالفعل بعد أن شاهدت بيسان الفيلم مع والدتها لم تشعر بالضيق من ذلك. لقد حضرت ذلك المشهد مرات لا تحصى ومع ذلك لا يزال يؤثر في بشكل كبير.
أليسار: بيسان بنت محاربة وشجاعة مثل خالتها أماني. هناك أيضا أمورا كثيرة حدثت أثناء التصوير ومواقف لم نتمكن من إضافتها إلى الفيلم. لقد مرت أماني بظروف صعبة وفي بعض الأحيان كان علينا أن نتوقف عن التصوير، ولكنها كانت تستجمع قواها وتعود للتصوير بنشاط.
آلاء: بالفعل شخصية أماني دفعتنا للتركيز على الجوانب الإيجابية في حياتها أكثر من العنف الذي كانت تتعرض له، بما في ذلك التهديدات التي كانت تصلها من أشخاص لم يعجبهم الجانب السياسي في أعمالها. فهي أقوى من الحرب ومن عادات وتقاليد مجتمعها. أنا من بيئة تعتبر أكثر انفتاحا من بيئة أماني ومع ذلك لا أعتقد أنني كنت سأتمكن من إقناع أهلي بدخول شاب إلى المنزل للتصوير معي ولثلاث سنوات.
وهناك نهاية سعيدة كان لكما دور فيها، تتعلق بأماني وعبده.
أليسار: أنا بصراحة تفاجأت لأنه لم يكن لدي علم بشيء. ولكن عبده اتصل بي مرة وقال لي إنه وأماني يحبان بعضهما البعض منذ فترة وأنهما ينويان الزواج. هذه العلاقة أثارت لدي بعض الأسئلة بالنسبة لتأثيرها المحتمل على العمل. ولكنني شعرت لاحقا أن إضافه قصة الحب الى الفيلم ستضيف بعدا عاطفيا وحيويا في قصة الفيلم. وبالفعل تزوجا وسعدنا كثيرا لهما.
أماني وبيسان كانا مصدر إلهام كبير لنا كفريق، وبفضلهما استمتعنا كثيرا بهذه التجربة وبالرغم من كل الصعوبات.
كيف أثرت تجربة الفيلم عليكما؟
آلاء: أنا لم أذهب إلى إدلب من قبل، ولم أكن أعرف عنها إلا ما أسمعه في الأخبار. ولكنني الآن أشعر أنني عشت مع أماني في بيتها ومررت بتفاصيل كثيرة وهذا يجعلني الآن أتفاعل مع أخبار إدلب بطريقة مختلفة تماما. البعد الجغرافي والاختلافات الثقافية ذابت تماما وأشعر أن شيئا في إدلب يشبهني إلى حد ما.
أليسار: التجارب التي مرت بها كل من أماني وبيسان أثرت في بشكل كبير، ولكن ما تتمتعان به من صبر وقوة كانا مصدر إلهام كبير لنا كفريق، وبفضلهما استمتعنا كثيرا بهذه التجربة وبالرغم من كل الصعوبات.
كيف تنظران إلى الوضع في سوريا اليوم، وبعد أكثر من اثني عشر عاما من القتال؟
آلاء: هذا سؤال صعب للغاية. هناك سوريتان اليوم: مناطق تحت سيطرة النظام ومناطق خارج النظام والوضع مؤسف في المنطقتين. ما يعطيني الأمل هو أن هناك نساء مثل أماني لم أكن أراهن قبل الثورة أو كن موجودات ولكن لم نكن نسمع أصواتهن بشكل واضح. أشعر أن الثورة الأكبر خرجت منها ثورات أصغر لنساء قادرات على الوقوف والتحدث بصوت عال والتحدي. ولكننا لا نزال في نفق معتم لا آخر له.
نجت أماني وعبده وأسرتيهما من الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال غرب سوريا في فبراير شباط عام 2023.
سيبدأ فيلم "ما وراء الخطوط" جولته في المهرجانات بافتتاح في مهرجان كان للمسلسلات الوثائقية كجزء من مسلسل وثائقي من ست حلقات بعنوان Draw for Change عن راسمات كاريكاتور من الولايات المتحدة والمكسيك وروسيا والهند والمصر وسوريا. وذلك ما بين 14-19 إبريل نيسان.