في منتصف شهر مارس آذار، التقت عبير قبطي، نائبة رئيسة تحرير شبكة ماري كولفن للصحفيات، مع المحررين في منصة بودكاست صوت، للبحث في فكرة إنتاج بودكاست باللغة العربية عن وباء الكورونا. وفي غضون يومين، بدأت عبير بإنتاج سلسلة "المستجد" من منزلها، بينما لا تزال تقوم بمهامها مع الشبكة، والاعتناء بابنها الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات. كالعديد منّا، كان على عبير أن تتأقلم مع نمط حياة جديد، وأن تعثر على توازن صحي ما بين الحذر والتفاؤل.
سؤال: حدثينا عن البودكاست. هناك الكثير من البرامج والمعلومات التي تصدر كل يوم عن وباء الكورونا، فما الذي يجعل بودكاست "المستجد" مختلفا؟
أريد أن يكون هذا البودكاست أرشيفا مدى الحياة لتوثيق ما حدث في العالم العربي في هذه الأوقات الصعبة
شرعت بإنتاج "المستجد" وفي ذهني ثلاثة أهداف: تقديم النصائح والمعلومات بأسلوب هاديء وبعيد عن الهستيريا، وإعطاء الأمل لمستمعينا العرب وتقريبنا إلى بعضنا البعض، وتوثيق هذه المرحلة الإستثنائية. أردت أن أغطي كل شيء، من الأخبار إلى التحليلات والقصص الإنسانية.
عندما بدأنا لم نكن نعرف كيف سيكون شكل هذا البودكاست. كان علينا أن ندع التطورات اليومية تقرر شكل كل حلقة، وبالفعل فإن كل حلقة مختلفة من ناحية الأسلوب والمحتوى.
سؤال: ولكن كيف تحددين أجندة الحلقات عندما تتعاملين مع حدث متغير باستمرار؟ هل تجدين أنك مضطرة للعمل على تغييرات حتى آخر لحظة؟
هذا هو أصعب شيء. لنقل إن الأجندة العامة هي تحفيز الناس على حماية أنفسهم. عدا ذلك أريد أن يكون هذا البودكاست أرشيفا مدى الحياة لتوثيق ما حدث في العالم العربي في هذه الأوقات الإستثنائية.
من الصعب مواكبة الأحداث المتسارعة. بالنسبة للإحصاءات فإن علينا تحديثها باستمرار، وحتى آخر دقيقة قبل التسجيل. إحدى الحلقات تضمنت عدة مقابلات من عدة دول عربية وكنا قد سجلناها في نهاية الأسبوع. ولكن سرعان ما انتهينا من كتابة نص الحلقة، برزت تطورات جديدة وأصبحت بعض المقابلات قديمة فاضطررنا للاتصال بمن قابلناهم لتحديث الملعومات. في إحدى المرات، أجريت لقاء مع شاب من غزة يعيش في برلين، وفي ذلك الوقت لم تسجل أي حالات إصابة في غزة. ولكن قبل التسجيل بقليل، أُعلن عن أول حالتي إصابة بالفيروس، لذا اضطررنا إلى تعديل الحلقة بناء على ذلك.
سؤال: فيما عدا الحاجة لمواكبة آخر التطورات، ما هي أكثر الأمور تحديا بالنسبة لك في إنتاج هذا البودكاست؟
بصراحة، أصعب شيء حتى الآن هو العثور على خبراء يتحدثون العربية، خاصة العلماء. علم الفيروسات ليس شائعا الحديث عنه في الأوقات العادية، لذا ليس سهلا العثور على خبراء في هذا المجال. ونفس الشيء يتعلق بعلم نفس الأطفال. أنا متأكدة أن هناك علماء كثيرون لكن العثور عليهم ليس سهلا عندما تكونين في سباق مع الوقت لإنتاج حلقة كل يومين أو ثلاثة. إضافة إلى ذلك، فإن أغلب الخبراء مشغولون حاليا بالوضع الطارئ في بلدانهم.
التحدي الآخر هو أن بعض الناس سئموا من سماع أخبار الكورونا، لذا علينا أن نذكّر أنفسنا باستمرار بضرورة الابتعاد قليلا عن الأخبار والعثور على الحكايات الإنسانية لنعرف كيف تتأثر حياتنا بهذا الوباء.
هذه الأزمة أثارت أسئلة حرجة لم يعد بإمكاننا تجاهلها حول البيئة، ونظامنا الغذائي والاستهلاكي والرأسمالي والديمقراطية
سؤال: بما أنكِ منهمكة بتغطية هذه القصة الآن، هل ترين أي علامات أو أسباب تدعو للتفاؤل؟
بصراحة نحن لا نزال في البداية. هذا الوباء ينتشر الآن في بلدان يتدنى فيها مستوى الخدمات الطبية، بما فيها بعض البلدان العربية، وهذا أمر مرعب. أنا أتابع الإحصاءات كل يوم، ومن الواضح أن بعض البلدان العربية إما أنها لا تنشر الأرقام الحقيقية لحالات العدوى والوفاة بشفافية، أو أنها لا توثق هذه الحالات بالشكل الصحيح، وكلا الأمرين كارثة.
من ناحية أخرى، أصبح هناك المزيد من التعاون بين الناس والإحساس بالمسؤولية والمزيد من الإدراك بمدى جدية الوضع. بالطبع لا نزال أحيانا نرى تجمعات كبيرة من الناس بما يتنافى مع تعليمات التباعد الاجتماعي، ولكن في أغلب الدول العربية لا يزال الناس يتخذون احتياطاتهم. ومن دواعي التفاؤل بالنسبة لي أيضا أن هناك المزيد من التضامن الاجتماعي. نحن الآن نحضر لحلقة عن المبادرات الاجتماعية لمساعدة الكبار في السن والفئات الأقل حظا في المجتمع. وأرى أيضا أن العديد من المصانع حولت خط إنتاجها للمعدات الطبية والأقنعة.
هناك أيضا المزيد من الإبداع. أصبح الناس يبتكرون أفكار جديدة للعب مع أطفالهم في البيت باستخدام وسائل بسيطة لتسليتهم. وهناك فنانون وموسيقيون يقدمون مبادرات لرفع المعنويات العامة.
وأخيرا، هذه الأزمة أثارت أسئلة حرجة لم يعد بإمكاننا تجاهلها حول البيئة، ونظامنا الغذائي والاستهلاكي والرأسمالي والديمقراطية وغيرها.
علينا أن نذكّر أنفسنا دوما بأن هذا الوضع ليس سهلا على الأطفال. فهم يدركون أن الأمور ليست على ما يرام ولكنهم لا يستوعبون الوضع بالكامل وهذا محبط لهم
سؤال: برلين كغيرها من المدن فرضت قيودا صارمة وبات على الناس البقاء في منازلهم. بصفتكِ أمًا تعمل من البيت، كيف تتأقلمين مع الوضع الجديد؟
هذا هو الجزء الأصعب، العمل من المنزل وفي نفس الوقت الاعتناء بطفل في الثالثة من العمر، إذ أنه لم يصل بعد إلى مرحلة اللعب بوحده. كما أنه يطرح الكثير من الأسئلة! يسألني عن الفيروس، ويريد أن يعرف من الذي أغلق ملعب الأطفال، ولماذا لم يعد الناس يزوروننا. في إحدى المرات قال لي إنه لا يريد اللعب في الخارج بسبب "الأمراض"، وهذا كسر قلبي. من الصعب أيضا أن أكون بعيدة عن أهلي. فأنا قلقة عليهم للغاية ولا يمكنني القيام بشيء. ولكنني أشعر أن لدي امتيازات أيضا لأن كلينا، أنا وشريكي، يمكننا العمل من المنزل ووضعنا الوظيفي مستقر حتى الآن.
هذه هي بعض الأمور التي تساعدني على التحمل. لا أنجح دائما في اتباعها ولكنني أحاول:
-
نعمل بشكل ورديّات. أنا أعمل في الساعات الباكرة من الصباح أو المتأخرة من الليل بينما يكون إبني نائما. أما شريكي فيعمل خلال النهار لأن ساعات دوامه أكثر صرامة.
-
نتشارك في الواجبات المنزلية كتحضير الإفطار وغسل الصحون والتنظيف وغيرها.
-
نخرج للمشي كل يوم، ومن حسن حظنا أنه لا يزال بإمكاننا القيام بذلك. نترك هواتفنا في البيت ونركض ونضحك ونلعب معا.
-
نحاول قدر الإمكان أن نقنن أوقات قراءة الأخبار، وهذا ليس سهلا لأن البودكاست يقتضي ذلك. ولكن الوقت المفضل لي كل يوم هو عندما أضع ابني للنوم، وأحضر قدرا كبيرا من الفوشار، وأشاهد فيلما مسليا مع شريكي.
-
الحديث بصراحة عن المشاعر، فأنا أعبر كثيرا عن مخاوفي وهواجسي وأعتقد أن ذلك يساعدني.
-
بالنسبة لطفلي. لاحظت أنه عندما أقضي معه الصباح بأكمله، بلا هاتف (إلا للحاجات الطارئة)، ولا أخبار، وإذا أمضينا الوقت معا بالعمل على نشاط واحد كالرسم أو الخبز، فإن ذلك يسهّل عليّ العودة للعمل بقيةَ اليوم، وتفحّص الإيميل أو إجراء مكالمات هاتفية.
-
علينا أن نذكّر أنفسنا دوما بأن هذا الوضع ليس سهلا على الأطفال. فهم يشعرون بالقلق أيضا لأنهم يدركون أن الأمور ليست على ما يرام ولكنهم لا يستوعبون الوضع بالكامل وهذا محبط لهم. كل نشاطاتهم، من الذهاب إلى الروضة إلى اللعب مع أصدقائهم، توقفت بالكامل. لهذا أحاول أن أشرح لابني بأن هذا الوضع مؤقت وأن "كل شيء سيكون على مايرام".
الصورة: عبير قبطي، نائبة رئيسة تحرير شبكة ماري كولفن للصحفيات، تسجل حلقة من بودكاست "المستجد" تحت إشراف ابنها ذي الثلاثة أعوام، مينا.