عندما انضمت الصحفية الجزائرية فرح سوامس إلى شبكة ماري كولفن للصحفيات عام 2017، كانت قد عادت للتو إلى بلادها من القاهرة، حيث عملت كمراسلة لفترة طويلة. لكن التأقلم من جديد مع الثقافة الإعلامية المحلية، والسعي لتحديد مسار مهني جديد شكّلا تحديا لها. لذا، تطوعت مرشدتان من شبكة ماري كولفن للصحفيات، جين عراف ونتاشا غنيم، للعمل معها ومساعدتها على استعادة الثقة والمضي قدما.

عندما انضمت الصحفية الجزائرية فرح سوامس إلى  شبكة ماري كولفن للصحفيات عام 2017، كانت قد عادت للتو إلى بلادها من القاهرة، حيث عملت كمراسلة لفترة طويلة. لكن التأقلم من جديد مع الثقافة الإعلامية المحلية، والسعي لتحديد مسار مهني جديد شكّلا تحديا لها. لذا، تطوعت مرشدتان من شبكة ماري كولفن للصحفيات، جين عراف ونتاشا غنيم، للعمل معها ومساعدتها على استعادة الثقة والمضي قدما. فرح تقول إنه "الشعور بعدم الوحدة."

كنت أعمل في غرف أخبار كبيرة، وعندما عدت إلى الجزائر شعرت بالوحدة

 

أين يمكنني العثور على مصادر موثوقة والتعرف على تجارب حياتية ككاتبة وصانعة أفلام مستقلة؟ هل أعمل بدوام كامل مع شبكة إعلامية، أم أن هذه الشبكات كلها متحيّزة؟ هذه أسئلة كنت أطرحها على نفسي عندما عدت إلى الجزائر بعد مهمة صحفية رائعة في الشرق الأوسط. وأدركت عندها أنني بحاجة للإرشاد أكثر من أي وقت مضى، خاصة وأنني كنت في مرحلة انتقالية ما بين الصحافة وصناعة الأفلام.

أول مهمة صحفية لي كانت مع موقعي Al Ahram Hebdo الناطق بالفرنسية والأهرام الأسبوعية في القاهرة. كنت أعمل في غرف أخبار كبيرة، وعندما عدت إلى الجزائر شعرت بالوحدة، إذ أنني واحدة من القلائل المستقلين العاملين مع الصحافة الناطقة بالإنجليزية، وهذا جعلني أفتقد إلى الأجواء الجماعية في غرف الأخبار.

في تلك الفترة اكتشفت شبكة ماري كولفن للصحفيات، وشعرت أن الفكرة من ورائها كانت تكريما رائعا لامرأة شجاعة كانت ولا تزال مصدر إلهام للكثير من الصحفيات. لم أكن أعرف في البداية أن الشبكة توفر فرصا للإرشاد المهني، ولذا كنت سعيدة جدا عندما تم اختياري للعضوية عام 2017.

 

التشكيك في اختياراتي

لقد حالفني بالتعرف على مرشدتين، وهما صحفيتين عاليتي الخبرة: جين عراف من شبكة NPR الأمريكية، ونتاشا غنيم من قناة الجزيرة. تعرفت عليهما في مرحلة مضطربة ومتوترة من مشواري المهني. فلقد انتقلت من بلد سُلّطت عليه الأضواء بسبب الربيع العربي إلى بلادي الجزائر، والتي عاشت لعقدين من الزمن في حالة جمود، كما أنني لم أكن قد عملت في الإعلام هناك من قبل.

لقد أعاد لي الإرشاد المهني ثقتي بنفسي. وصرت أطرح على الأسئلة التي تؤرقني، حتى تلك التي كنت أخشى أن تكون سخيفة.

قبل أيام من اتصالي الأول مع جين عراف، حضرت دورة تدريبية مع شبكة مرموقة وقال لي أحد المدربين: "عفوا ولكن لماذا أنتِ هنا؟ فالجزائر مكان ممل لممارسة الصحافة". شعرت بالإهانة، كما أحبطتني عبارته هذه. وفي نفس الوقت، لم يكن بوسعي مجادلته لأن هذا هو إرث النظام: خارطة إعلامية ضعيفة للغاية في بلد مميز للغاية. ذكرت لجين ما قاله المدرب، وردّت بالقول: "هذه عبارة مخزية. اسمعي يا فرح: هنا دائما أمور يمكنك اكتشافها والكتابة عنها، هذه هي قوة السرد القصصي". ذكرني جوابها بما قاله زميل عزيز لي في إحدى المرات: "الجزائر تشبه ثقبا أسود ضخم، فلا أحد يعرف عنها أي شيء". وشعرت أن الوقت قد حان لكي نَقُصّ ولو جزءا صغيرا من حكايتنا خارج الحدود الفرانكوفونية.

بحسب تعليمات برنامج الإرشاد المهني لشبكة ماري كولفن للصحفيات، فإن على الصحفية العضو المبادرة والتواصل مع مرشدتها مرة واحدة في الشهر على الأقل. أذكرُ بعد اتصالنا الأول أنني قلت لجين: "سأتصل بك في غضون أربعة أسابيع". ولكنني ظننت أن جين مشغولة للغاية وأنني لست من أولوياتها، لذا ترددت كثيرا في التواصل أكثر من مرة في الشهر. ولكنها رحّبت بي إلى حد كبير وقالت أن بإمكاني الاتصال بها في أي وقت، وأنه إذا تعذر الاتصال عبر سكايب فيمكنني إرسال أسئلتي لها عبر البريد الإلكتروني وأنها ستجيب في أقرب وقت ممكن. "اطرقي الباب في أي وقت". وهكذا صرت أتواصل مع المرشدتين خارج الترتيب الرسمي.

لقد أعاد لي الإرشاد المهني ثقتي بنفسي. وصرت أطرح على الأسئلة التي تؤرقني، حتى تلك التي كنت أخشى أن تكون سخيفة.

الإرشاد المهني مع جين عرّاف كان لمدة عام. وعندما انتهى شعرت أنني لا أزال بحاجة للمزيد من النصائح وأن هذ الفترة لم تكن كافية. ولكنني سأبقى دوما ممتنة للوقت الذي منحتني إياه، خاصة لأنها صحفية خبيرة وكثيرة الترحال في مناطق الصراع. ولكنها قالت إنها ستكون دائما متواجدة.

 

الانتخابات والإرشاد المهني الثاني

كنت أعتقد أن التلفزيون ليس الوسيلة المناسبة لي، لكن مرشدتَي الاثنتين قالتا: "لن تعرفي ما لم تجربي

كان من المخطط أن تجرى الانتخابات الجزائرية في إبريل نيسان عام 2019، وكنت أرسل مقترحات لتغطيتها لبعض المؤسسات الإعلامية وكنت بحاجة إلى التوجيه في ذلك. ترددت في طلب المزيد من الإرشاد، حتى أنني قلت لرئيسة تحرير الشبكة أنني مستعدة لأن أدفع مالا مقابل سنة إضافية من الإرشاد المهني. لكنها ضحكت وعرّفتني على مرشدتي الثانية، نتاشا غنيم، والتي أسدت لي النصائح بأسلوب صريح. فهي تصغي جيدا لمقترحاتي وتجيبني بكل موضوعية عن الأمور الجيدة وغير الجيدة. الآن وبفضل المرشدتين صارت لي خبرة أكبر وأعرف ما يناسب الإذاعة والصحافة المكتوبة.

كنت أتوقع أن تكون الانتخابات مملة ودون أخبار مثيرة للاهتمام، لكن التغير في مجرى الأحداث أضاف لها بعدا جديدا. فلقد شهد الجزائر موجة تظاهرات كبيرة، وتواجدي على الأرض كشاهدة على هذا التغيّر الذي طال انتظاره دفعني للبحث عن وسائل جديدة لأقصّ هذه الحكاية. قررت الانتقال من الإذاعة والصحافة المكتوبة إلى إرسال المقترحات لإعداد تقارير تلفزيونية. ومع أنني كنت أعتقد أن التلفزيون ليس الوسيلة المناسبة لي، إلا أن مرشدتَاي الاثنتين قالتا: "لن تعرفي إن لم تجربي".

قلت لنتاشا آنذاك إنني أشعر أن الخارطة السياسية في بلادي لا معنى لها، وأنني أحاول جاهدة للعثور على الطريقة المناسبة لتغطيتها. ومع أنها توافقني الرأي بأن غرف الأخبار تهتم أكثر بالتقارير السياسية، إلا أنها نصحتني أيضا بالعمل على قصص بعيدة عن السياسة. لقد تعلمت أن أولي الأهمية لقصصٍ حتى لو لم تكن عناوين أخبار. أرسلت نتاشا لي أيضا روابط لتقارير إذاعية رائعة، والتي أعطتني بدورها فكرة أفضل عن كيفية إعداد التعليقات الإذاعية أو البودكاست.

أتطلع قدما لتعلم المزيد من مرشدتاي الآن بما أنني أعمل على أول سلسلة تقارير تلفزيونية لي. فأنا ينتابني القلق عشرين مرة في الدقيقة الواحدة، وبينما تقرّ نتاشا أن الأمر ليس سهلا لمن يعملون في التلفزيون لأول مرة، إلا أنها تذكّرني دوما أن الأمر ليس مستحيلا وأن الممارسة تحسّن الأداء. قالت لي مؤخرا: "كوني طبيعية أمام الكاميرا، احكي الحكاية وكأنك تتحدثين مع أهلك أو أشخاص قريبين على قلبك. كوني أنتِ".

برامج الإرشاد المهني هي بمثابة ثورات صامتة تدفع الكثيرات مثلي على الاستمرار

العمل في الإعلام محبط أحيانا وليس مناسبا أبدا لضعاف النفوس، ولقد شعرت في بعض الأيام بأنني أريد الاستقالة. الإرشاد المهني علمني أن أستمر، وأنني لست وحيدة، فهناك العديد من الصحفيات والكاتبات اللواتي يواجهن نفس التحديات. باختصار، علمني الإرشاد المهني الشعور بعدم الوحدة.

المرشدات جزء أساسي من شبكة ماري كولفن للصحفيات، وكذلك رئاسة التحرير التي لم تخذلني أبدا وساعدتني بشتى الطرق. بينما يمر قطاع الإعلام بأزمة في مختلف أنحاء العالم، فإن برامج الإرشاد المهني هي بمثابة ثورات صامتة تدفع الكثيرات مثلي على الاستمرار.

أكثر ما أحبه في شبكة ماري كولفن للصحفيات هو أنها توفر بيئة ودودة للغاية تتيح التواصل مع الأفراد والمصادر. مرشدتاي تتابعان معي بشكل منتظم وتقدمان النصيحة عندما أكون بأمسّ الحاجة إليها، وتهنئاني على عملي عندما أرسل لهما مقالاتي أو تقاريري الإذاعية الجديدة. أنا محظوظة وممتنة للغاية لكوني جزءا من هذه الأسرة الكبيرة والقوية، ولتسمية بعض النساء بمرشداتي.