ليندسي هيلسم هي مراسلة الشؤون الدولية للقناة الرابعة البريطانية، ومن مؤسسات شبكة ماري كولفن للصحفيات. في هذه المقابلة تتحدث عن كتابها الجديد In Extremis عن سيرة مراسلة السنداي تايمز ماري كولفن. 

لماذا شعرت بأنه من المهم أن تروي قصة حياة ماري؟ بالنسبة لمن عرفوها فقط كصحفية فقدت حياتها بينما كانت تؤدي واجبها المهني، لماذا كان مهما أن يعرفوا عن طفولتها وحياتها الشخصية؟

لقد اشتهرت ماري كولفن بسبب موتها المأساوي  والعنيف، ولكنني أردت أن نتذكرها في حياتها أيضا. ككثيرين غيري، كنت مفتونة بشجاعتها والتزامها بتغطية قصص ضحايا الحرب، ولهذا أردت أن أعرف أكثر عن دوافعها. وكان من الطبيعي أن أنظر في طفولتها وخلفيتها العائلية. عندما نروي  قصة حياة إنسان، لا يمكننا إخفاء الجانب الشخصي لأنه أمر جوهري. لم يكن هدفي الكتابة عن عملها الصحفي فقط، بل رواية قصة ماري كولفن الباهرة والشجاعة، والتي لم تكن معصومة عن الخطأ أيضا.

 

كنت مفتونة بشجاعتها والتزامها بتغطية قصص ضحايا الحرب، وأردت أن أعرف أكثر عن دوافعها.

 

 

عندما قررت ماري الذهاب إلى حمص، كان أغلب  المراسلين والمحررين يرون أن الوضع في المدينة خطر للغاية. أنت نفسك قمت بتغطّية الكثير من النزاعات، وتعرضت حياتك للخطر. برأيك ما الذي جعل تغطية حمص أمرا بالغ الخطورة مقارنة بقصص أخرى؟

العديد من المراسلين الأجانب الذين كانوا هناك، عادوا  بقصص عن مدى خطورة المكان. لقد ترك مراسلان من قناة بي بي سي، بول وود وفرد سكوت، حمص لأنهم كانوا مقتنعين بأن قوّات الأسد ستستعيد بابا عمرو وسيتم القبض عليهم أو قتلهم. حتى الدخول إلى هناك كان شاقًا حيث كان عليك الزحف عبر مصرف مياه والوثوق بمهربّين، يحتمل أن يقوموا بتسليمك إلى مجموعات متطرفة أو عصابات إجرامية. كان ذلك بالتأكيد خارج حدود قدرتي على المخاطرة ولكنه لم يردع ماري.

 

قيل في السابق أن المحررين الذين عملت معهم ماري لم يقوموا بواجبهم بالاعتناء بها كما يجب  خاصة لأن عملها أثر كثيرا على صحتها الجسدية والنفسية (حيث كانت تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة). هل تعتقدين أنه كان هناك أي شيء باستطاعتهم أو عليهم بذله لمساعدة ماري؟ وهل من واجب  المحررين أن يوقفوا صحفيا من القيام بمهامه رغما عنه؟

لقد عانت ماري من اضطراب ما بعد الصدمة عام ٢٠٠٤، وذلك بعد أن فقدت البصر  في عينها جراء اطلاق قذيفة هاون من جندي سيريلانكي بينما كانت تعبر خط المواجهة. تم علاجها في لندن و منحها المحررون الوقت الكافي للراحة، وحرصوا على  تلقيها العلاج المناسب. بعض زملائها شعروا أنها أصبحت غريبة الأطوار بعد ذلك، وأنه كان يجب إيقافها عن العمل الميداني، ولكنها صممّت على مواصلة إعداد التقرير ورفضت محاولات نقلها للعمل من وراء مكتب. أعتقد أن بعض المحررين فكّروا فعلا في نقلها للعمل من وراء مكتب، لكنني متأكدة أنها كانت سترفض وستبدأ العمل بشكل مستقل، وكانت ستجد طريقة أخرى لتغطية مناطق النزاع.

 

بعض زملائها شعروا أنها أصبحت غريبة الأطوار وأنه كان يجب إيقافها عن العمل الميداني

تتحدثين في كتابك عن حياة ماري  الخاصة وعلاقاتها. كيف تعاطيت مع هذا الأمر ولماذا شعرت أنه من المهم الخوض في التفاصيل؟ تقول إحدى المراجعات عن كتابك أنك تصفين بعض علاقاتها الخاصة "بشكل محرج لبعض الأطراف".

لقد اخترت عنوان In Extremis  (أي: في الحالات القصوى) للكتاب لأن ماري كانت قد كتبت مرة: "يبدو لي دائمًا أن ما أكتب عنه هو الإنسانية في حالاتها القصوى، عندما  يتم الدفع بها إلى ما لا يمكن احتماله، وأنه من المهم إخبار الناس عما يحدث في الحروب". لقد عاشت حياتها الشخصية "في حالاتها القصوى" أيضا، وكي أكون صادقة، كان علي أن اروي هذا الجزء من القصة أيضا. لقد احتفظت ماري بمذكرات حميمة، والتي منحتنا فرصة رائعة للتعمق في طريقة تفكيرها ومشاعرها. تبين أنها كانت تكتب نصوصًا رائعة عن تحطُم القلوب، الأمر الذي لم نعرفه عنها من قبل. في وصيتها أوصت أن تُستخدم دفاترها ومذكراتها "لأغراض كتابة سيرة ذاتية"، هذا يعني أنها كانت تدرك، إن لم يكن أثناء كتابتها مذكراتها فربما في وقت لاحق من حياتها، أنه سيتم الكتابة عنها وقراءتها.

 

هل أثر موت ماري في حياتك المهنية بأي شكل من الأشكال؟ هل قمت بتغيير أي شيء، مثل اختيارك للمهام، أو رؤيتك للتوازن ما بين الحياة الشخصية والعمل؟

لمدة عام بعد مقتل ماري لم أتمكن من القيام بمهام خطيرة، وقد تفهم المحررون ذلك. لم أستطع. ولكنني بعد ذلك شعرت بتحسن وأدركت أهمية الاستمرار في تغطية سوريا، فبدأت بالقيام برحلات منتظمة. في هذه الأيام أقوم بعدد أقل من  المهام الخطيرة ولكن هذه هي طبيعة عالم الأخبار، في أوقات الحرب في العراق، ثم الربيع العربي وأوكرانيا، كانت كل العناونين الرئيسية في نشرات الأخبار تُعنى بالنزاعات. ولكن هناك الآن قضايا جديدة، مثل الهجمات الإرهابية واللاجئين، ترامب، "بريكسيت" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) وغيرها. لا أفكر كثيرا في التوازن ما بين العمل والحياة الشخصية لأنني لا أستطيع التمييز بينهما. لكن لدي حديقة صغيرة وجميلة جدًا في شمال لندن وأنا فخورة بها إلى حد لا يمكن تصوره.

 

لمدة عام بعد مقتل ماري لم أتمكن من القيام بمهام خطيرة

قلتِ في مقابلة صحفية أن ماري كانت تخاطر أكثر منك، وأنك كنت تحسدينها على شجاعتها. لكن في النهاية كلفتها هذه الشجاعة حياتها، هل تعتقدين أنه توجد هناك أي قصة تستحق أن يضحي الصحفي بحياته من أجلها؟

نظريا، طبعا لا. علينا أن نعيش لنروي القصة. لكن الحقيقة هي أن مراسلي الحروب يخاطرون دائما بحياتهم. المطلوب هو الحد من  المخاطر وتقدير جيد للظروف قدر الإمكان. يجب ألا ننسى أن أغلب الصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في سوريا هم من السوريين. الأجانب هم الاستثناء.

 

لقد أنشأنا هذه الشبكة تكريماً لماري. ما هو الدرس الأهم الذي تعتقدين أن على عضواتنا الاستفادة منه من حياة ماري إرثها؟

الصحافة مهمة. حتى عندما لا نتمكن من "إحداث تغيير" فوري، من المهم ألا تتذرع  الحكومات بالقول "لم نكن نعلم". نعم علمتم – لقد أعلمناكم. إن تسليط ماري الضوء على ضحايا الحرب، سواء كانوا النساء والأطفال فيما عرف ب "قبو الأرامل" في بابا عمرو، أو الأطفال الجنود في سيراليون، هو مثال على التغطية الإنسانية للحرب. كما أنها لم تدع أحدا يمنعها من القيام بشيء لكونها امرأة. كانت تمتلك عزيمة استثنائية لأن تكون شاهدة عيان. لم ترض أبدا بتقارير من مصادر ثانوية، ولا ينبغي أن نرضى بها نحن أيضا.

 

الصورة: ليندسي هيلسم (يسار) وماري كولفن (يمين) في جنين عام ٢٠٠٢. المصور: بول موركرافت