تغطية الصراعات في وطنك أمر صعب، ولكن في بعض الأحيان تكون تغطية الصراع من المنفى أو الشتات أكثر صعوبة. ثلاثة من عضوات شبكة ماري كولفن للصحفيات يشاركن تجاربهن الشخصية في تغطية الأخبار في بلدانهن، سواء من حروب أو أزمات سياسية متتالية.
هاجر حرب (فلسطين)
غادرت هاجر حرب، وهي صحفية حائزة على جوائز، غزة قبل خمسة سنوات، وتعيش حاليا في لندن مع والديها وأختها، حيث تعمل كصحفية مستقلة مع صحيفة الواشنطن بوست. ذهبت والدتها إلى غزة في الصيف في زيارة قصيرة، وفي وقت نشر هذا المقال، كانت لا تزال محاصرة هناك بسبب الحرب.
ذهبت أمي إلى غزة في زيارة عائلية، ولكن بعد ذلك اندلعت الحرب وعلقت هناك. كان من المفترض أن تخضع لعملية جراحية لركبتها هنا في لندن ولكننا اضطررنا إلى إعادة جدولة مواعيدها عدة مرات لأننا لا نعرف كيف نخرجها من غزة. هي مصابة بالجلوكوما أيضا. في كل مرة أتحدث معها أشعر بخوفها وأسمعه. تتخيلي أن الشخص الوحيد الذي من المفترض أن يجعلك تشعرين بالأمان هو خائف الآن. كان صوتها يجلب لي الراحة، والآن أسمع صوتها يرتجف. لأول مرة في حياتي أسمع أمي تبكي.
الموت مع شعبك أكثر رحمة من الموت بمفردك
لم أتوقف أبدا عن تغطية غزة. عشت هناك حتى عام 2019. جميع مصادري وزملائي وعائلتي وأصدقائي وجيراني موجودون هناك. من الصعب حقا الوصول إليهم الآن وتغطية الحرب بشكل صحيح لأن اتصالات الهاتف والإنترنت معطلة باستمرار. يمكن الحصول على المعلومات من مصادر رسمية مثل وزارة الصحة والهلال الأحمر وهيئة الدفاع المدني. ولكن من الصعب حقا إجراء مقابلات مع الناجين من الحرب خاصة إن كنت اعرفهم جيدا. أشعر بالكثير من الخوف والقلق لأنني أعرف الناس وأسماء العائلات وكيف كانت تبدو المنازل والشوارع قبل قصفها.
يتضاعف الخوف لأن والدتي هناك. على الرغم من أنني أعيش هنا في لندن، بعيدا عن الحرب، إلا أنني أعاني من كوابيس. أرى نفسي وعائلتي ومنزلي تحت الأنقاض. هذه هي الصدمة من الحروب السابقة التي عشتها هناك. في عام 2014، كنت أتعثر فوق جثث الشهداء أثناء تغطيتي للحرب. أتذكر رائحة الموت. عندما أرى مقاطع فيديو من غزة الآن، أتذكر ذلك على الفور. عادت الصدمات التي يتذكرها جسدي جيدا إلى الظهور مرة أخرى، ولا أستطيع النوم من الألم.
أشعر بالعجز لعدم قدرتي على مساعدة أي شخص في بلدي، بمن في ذلك والدتي. يمكن تعويض المال، لكن المنازل أكثر من مجرد جدران. عاش الناس هناك وصنعوا الذكريات. الموت مع شعبك أكثر رحمة من الموت بمفردك.
يجب أن أجري مقابلات مع الناس، بمن فيهم الأطفال، و يسألونني متى ستنتهي الحرب. أريد أن أصرخ لأنني أشعر أن العالم أعمى وأصم. أريد أن أخبر العالم بما يحدث في فلسطين.
هند الإرياني (اليمن)
صحفية مستقلة ومدافعة عن حقوق الإنسان. لديها مدونة إذاعية أسبوعية في إذاعة مونت كارلو الدولية تنشر أعمالها في صحيفة واشنطن بوست، وقناة TV5 الفرنسية، وميدل إيست آي، وغيرها. غطت الحرب في بلدها وشاركت في حملات لدعم السلام. ودافعت عن حقوق المثليين والأقليات الدينية، وقادت حملة ضد استخدام القات. تعيش الآن في السويد مع ابنتها.
في بداية حرب اليمن، كنت أشعر بالذنب لأنني أعيش هنا حياة أفضل بوجود الكهرباء والماء، في حين كان أفراد من عائلتي وغيرهم يُعانون في اليمن. أشعر بالسوء لأنني لست هناك معهم. كتبت عن حقوق الإنسان والطفل وحقوق المرأة. لم تكن الجماعات المتطرفة راضية عن تغطيتي، خاصة لأنني تحديث شخصيات دينية وموثوقة. لقد تحدثت ضد الحرب، وتجاوزت خطوطهم الحمراء.
في بداية الحرب اليمن، كنت أشعر بالذنب لأنني أعيش هنا حياة أفضل، بينما يعاني أفراد عائلتي في اليمن.
عملت في حملات للتوعية بأضرار القات على الزراعة والمياه والاقتصاد، وتمكنا من إضافة بند دستوري في الدستور الجديد يتعلق بإستراتيجية لحل مشكلة القات تدريجيا. لكن جاءت الحرب، وللأسف لم يتم التصويت على الدستور، مما جعل من الصعب العمل على الحملات الاجتماعية إذ لم تعد أولوية.
كنت أملك أحلامًا كبيرة لليمن، أحلامًا بتغيير اليمن للأفضل، لكن هذه الأحلام حطمتها الحرب.
الآن الحوثيون يسيطرون أكثر من أي وقت مضى. والشيوخ المتطرفون يبررون بل ويدافعون عن زواج الأطفال وضرب النساء. لقد هددوني لأنني وقفت ضد جرائمهم.
استمرار الحرب أدى إلى تعزيز نفوذ الجماعات الدينية مثل الحوثيين وغيرهم من الشيوخ المتطرفين الذين يبررون ويدافعون عن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال والنساء. لقد تعرضت للتهديد بسبب موقفي المناهض لجرائمهم. أن تكوني صحفية ومدافعة عن حقوق الإنسان أمر صعب حقًا في هذا الوقت. لم أتمكن من كتابة كلمة واحدة منذ بدء الحرب على غزة. نحن نُعاني من صدمات نفسية منذ الصغر، ونشاهد صور القتل والجثث ونعيش في ظل حروب متكررة، واليوم تُعيد الحرب على غزة ذكريات مروعة عن مظالم الماضي.
لقد تلقيت علاجًا لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والذي ساعدني كثيرًا. أنا أؤمن بشدة بأن الصحة النفسية يجب أن تكون أولوية. أرى أن الصحفيين العاملين في مجال السياسة في منطقتنا يُعانون في الغالب من الصدمة، ويجب توفير الدعم النفسي لهم لأنها تؤثر بشكل كبير على حياتهم. يعرض الصحفيون حياتهم للخطر كل يوم، وعادةً ما يتقاضون رواتب ضئيلة وليس لديهم حقوق أو حماية كافية.
مريم سيف( لبنان)
عندما اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء لبنان عام 2019، كانت مريم سيف واحدة من الصحفيات المستقلات اللواتي تحدثن ضد النخبة الحاكمة في لبنان. تعرضت إلى حملة تهديد وتحريض على الإنترنت، واضطرت إلى هجر منزلها مع عائلتها بعد أن قام مسلحون بالاعتداء عدة مرات عليهم، أبرزها تلك التي نجا فيها شقيقها من محاولة قتل بينما نجا والدها من محاولة أخرى بعد عدة أشهر. لم يقدم القضاء لمريم وأسرتها أي حماية، فاضطروا لمغادرة لبنان. هي الآن تعيش الآن في فرنسا.
كنت بحاجة للخروج من لبنان لأن مقالاتي استفزت حزب الله وكشفت جرائم حاولوا إخفاءها، من بينها جريمة قتل حاولوا طمسها لأهداف انتخابية. رفضت الخضوع للرقابة التي يفرضونها على الإعلاميين الذين يعملون في مناطق نفوذهم. هددوني وهددوا عائلتي واعتدوا علينا.
أحيانا تصبحين بحاجة للخروج من بلدك حتى تتمكني من الكتابة بحرية دون قيود
في بعض الأحيان، أسأل عن الجدوى من الاستمرار في العمل كصحفية. أشعر بالعجز وأشعر أن السلطة والمال أقوى بكثير من جهودي لكشف الحقيقة .
مع الحرب على غزة، أشعر بعجز أكبر. العالم منقسم، والصحفيون مستهدفون. صدمت عندما أصيب زملائي الصحفيين على حدود لبنان مع إسرائيل. رأى زملائي مصور رويترز، الصديق والزميل عصام عبد الله، يموت في غارة جوية إسرائيلية في 13 تشرين الأول/أكتوبر.
عندما قتل عصام، شعرت بموجة من المشاعر المختلطة التي لم تكن منطقية. شعرت بالذنب لعدم وجودي هناك. كنت غاضبة وعاجزة.
أحد أسوأ الأشياء التي تحدث لك عندما تعملين كصحفية في هذا الجزء من العالم هو أن تبدئي في فرض رقابة على نفسك. تفكرين كثيرا قبل كتابة تقرير قد تكون تبعاته خطيرة ليس لك وحدك. اختياراتك محدودة. أحيانا تصبحين بحاجة للخروج من بلدك حتى تتمكني من الكتابة بحرية دون قيود.