هنا إلياس هي باحثة مساعدة في مركز بيركمان كلاين للإنترنت والمجتمع في جامعة هارفارد. وكانت سابقًا رئيسة  فريق التحقيقات في سوريا في مختبر تحقيقات المصادر المفتوحة في مركز حقوق الإنسان في كلية الحقوق في بولت.

مع أن المقال موجّه بالدرجة الأولى إلى الصحفيين الاستقصائيين والمحققين عبر المصادر المفتوحة، إلا أن النصائح التي يحتوي عليها مهمة لكل مستخدمي الإنترنت الذين يشاهدون صور صادمة باستمرار.

هذا المقال مترجم عن موقع Bellincat التابع للشبكة الدولية للصحافة الاستقصائية.

سواء كان الأمر يتعلق بضحايا هجوم كيميائي أو تفجير، يُطلب من المحققين في المصادر المفتوحة مشاهدة اللقطات الأولية من الميدان والتفاعل معها. وقد يجد المحققون أنفسهم مضطرين لمشاهدة ساعات من الشهادات الحية واللقطات المصورة من الميدان. من الصعب تجنب المشاهد الأولية لأنها قد تحتوي على دليل محتمل لأغراض التحقيق والمساءلة. ولكن يجب أن نكون واعين للتأثيرات التي يمكن أن تحدثها مشاهدة كم كبير من المشاهد المؤلمة على أولئك الذين يتعاملون معها بشكل منتظم. فقد يسبب التعرض المتكرر لشهود العيان أو غيرها من المشاهد المؤلمة إلى اضطراب ما بعد الصدمة وهو اضطراب نفسي وعقلي يحدث نتيجة للتفاعل مع المشاهد العنيفة عبر الإنترنت.

إن معرفة كيفية تجنب الصدمة النفسية الثانوية هي الخطوة الأولى في الحد من  الإرهاق الناجم عن الصدمات غير المباشرة في مجال حقوق الإنسان.

هذا الدليل هو بمثابة أداة تعليمية للعاملين في مجال التحقيق في المصادر المفتوحة. ويتضمن بحثًا أجراه سام دوبرلي، مدير فريق التحقيق الرقمي التابع لمنظمة العفو الدولية والمساهم في EyeWitness Media Hub، بالإضافة إلى تجربة المؤلف في مختبر التحقيقات مفتوحة المصدر في مركز حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي. يركز الدليل على موضوعات من العمل الاستقصائي المتعلقة  بالشرق الأوسط، ولكن يمكن تطبيقه في مناطق جغرافية أخرى.


تجنب الصدمة النفسية الثانوية 

غالبًا ما يكون المحتوى المتعلق بالتحقيقات مفتوحة المصدر في الشرق الأوسط عنيفا للغاية. إن معرفة كيفية تجنب الصدمة النفسية الثانوية هي الخطوة الأولى في الحد من  الإرهاق الناجم عن الصدمات غير المباشرة في مجال حقوق الإنسان.

إحدى السمات الرئيسية للوقاية من الصدمة النفسية الثانوية هي معرفة نفسك، وبالتالي معرفة الصور التي تؤثر عليك أكثر من غيرها. بالنسبة للبعض، فإن صوت بكاء الأطفال مؤلم بشكل خاص. وبالنسبة لآخرين، فهي صور الإصابات الجسدية المريعة. فهم حساسيتك هو أمر بالغ الأهمية للوقاية من الصدمات، وذلك لأنه يتيح لك التحضير ذهنيا لمشاهدة هذه الصور. يكون المرء معرضًا بشكل خاص للصدمات الثانوية عندما لا يكون العقل مستعدًا فيتفاجأ بما يواجهه. نتيجة لذلك، من الضروري تهيئة أنفسكم ذهنيًا لما أنتم على وشك رؤيته، بالإضافة إلى تحذير الزملاء في العمل قبل عرض المشاهد عليهم.

هناك عامل آخر مهم في منع الصدمة النفسية الثانوية، وهو فهم خلفيتك وبيئتك. إذا كانت هناك صلة شخصية تربطكم بالعمل الذي تقومون بالتحقيق فيه، كالقدرة على التحدث باللغة العربية أو وجود اتصالات شخصية وتاريخية بالمنطقة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفاقم  الصدمة النفسية الثانوية. كما يمكن أن تؤثر بيئتك أيضًا على مدى تعرضك للصدمات الثانوية، لذا ينصح بإبقاء العمل التحقيقي داخل المكتب. إذا كنتم تعملون من المنزل، فيفضل إبقاء العمل خارج غرفة النوم. من المهم الحفاظ على مساحة آمنة بين العمل والبيت. من الضروري أيضًا الحفاظ على روتين محدد للوقت، وتحديد فترات زمنية للعمل والحد من العمل ليلاً.

الوقاية عند العمل على منصات المصادر المفتوحة

هناك العديد من الأدوات التي يمكن استخدامها عند العمل مع منصات مثل تويتر، ويوتيوب، وفيسبوك لتقليل مخاطر التعرض للصدمة النفسية الثانوية.

1- أثناء العمل  على مقطع فيديو على يوتيوب، عليك أولاً وقبل كل شيء خفض الصوت أو كتمه، إذ تظهر الأبحاث أن أصوات الفيديوهات العنيفة تكون في كثير من الأحيان أكثر ضررًا من الصور نفسها.

2- أثناء إيقاف الفيديو، استخدمي المؤشر للتمرير فوق شريط التقدم لمعاينة الفيديو في شكل صورة مصغرة (يعمل هذا فقط مع الفيديو على يوتيوب، فيسبوك، ولكن ليس مع تويتر)، مما يسمح لك بمعرفة ما إذا كان هناك أي محتوى قد يكون مؤلمًا وأعدّي نفسك. إذا كان الفيديو يتضمن شيئًا صادما، أو كنت تشاهدين الفيديو عدة مرات للتحقق، فكري في استخدام ورقة لاصقة أو يدك لتغطية الصور العنيفة.

3- قومي دائمًا بإيقاف خاصية التشغيل التلقائي للحد من ظهور مقطع فيديو آخر عنيف وبشكل مفاجيء.  بالإمكان القيام بذلك في الإعدادات في فيسبوك وتويتر.

 

التعرف على أعراض الصدمة النفسية الثانوية

مع مرور الوقت، وحتى مع اتباع الخطوات الاحترازية، يمكن أن يؤدي التعرض المتكرر للمحتوى العنيف إلى تأثير سلبي على المشاهد. فيما يلي بعض العلامات التحذيرية التي يجب أن تضعيها في اعتبارك في حياتك الخاصة.

ابحثي عن التغييرات في نومك ونظامك الغذائي وعلاقاتك:

  • هل تنامين أكثر من المعتاد، أو لا تستطيعين النوم، أو تراودك الكوابيس؟
  • هل بدأت بتناول المزيد من الوجبات السريعة، أم انخفضت شهيتك؟
  • هل تقضين المزيد من الوقت بمفردك، أو تدفعين المقربين منك بعيدًا؟
  • هل تغيرت علاقتك بالتدخين و/أو الكحول؟

يمكن أن يكون الانحراف عن العادات العادية إشارة بأن عملك الاستقصائي قد بدأ يؤثر سلبًا عليك. بمجرد التعرف على هذه العلامات، فقد حان الوقت للتوقف وتقييم صحتك النفسية.

أثناء العمل على يوتيوب، عليك أولاً خفض الصوت أو كتمه، فأصوات الفيديوهات العنيفة كثيرا ما تكون أكثر ضررًا من الصور نفسها.

معالجة الصدمة النفسية الثانوية

إذا بدأت تشعرين  بأعراض الصدمة النفسية الثانوية، قد يكون من المفيد التوقف مؤقتًا والتفكير في تأثيراتها عليك. خذي خطوة للخلف. غالبًا ما نرغب في تجاوز المشاعر السلبية وتجاهلها لمواصلة عملنا. هناك شعور بالعجز يأتي من الخمول في مجال التحقيق. ومع ذلك، لكي تتمكني من مواصلة عملك الاستقصائي، يجب عليك معالجة الصدمة التي تعانين منها.

تواصلي مع الأصدقاء والعائلة. في كثير من الأحيان، يوفر التواصل مع أولئك الذين ليسوا في مجال التحقيق فسحة للاستراحة. الانفتاح على الزملاء في العمل مفيد بنفس القدر، إن لم يكن أكثر. يعرف زملاؤك بالضبط ما تمرين به وما تتعرضين له بشكل يومي. إن تخصيص الوقت للتأمل ودعم بعضنا البعض أمر ضروري لمعالجة الصدمات والتغلب عليها.

من المهم أيضًا ممارسة أنشطة الاسترخاء الذهني، فلقد ثبت أن ممارسة الرياضة والتأمل يخففان من أعراض الصدمة النفسية الثانوية. يمكن أن يساعد القيام بالتمارين الرياضية في تقليل القلق والاكتئاب والسيطرة على جانب من حياتك. يمكن أن يكون التأمل نشاطًا مفيدًا لاسترخاء العقل. هناك العديد من التطبيقات مثل The Mindness App وInsight Timer وHeadspace التي قد تساعد على الاسترخاء.

ابحثي عن السبل الأنسب لكِ. إذا استمرت الأعراض، قد تحتاجين إلى اللجوء للاستشارة النفسية المهنية.