منذ أن غادرت غزة قبل 10 سنوات، لم تتوقف عبير أيوب عن الكتابة عن مسقط رأسها. ولكن هذه المرة، أثبتت التغطية الصحفية للدمار غير المسبوق في غزة أنها التحدي الأكبر الذي واجهته حتى الآن، خاصة وأن أفراد عائلتها لا يزالون محاصرين هناك.

عبير أيوب عضوة في شبكة ماري كولفن للصحفيات. تعيش حاليا في اسطنبول مع زوجها وابنتها، وتكتب لعدة مواقع من ضمنها موقع  "ميديل إيست أي".

عندما اندلعت الحرب في 7 أكتوبر تشرين الأول، ناقشت أنا وزوجي ما إذا كان ينبغي علينا العودة إلى غزة، لكننا قررنا أنه من الأفضل لعائلتنا البقاء في اسطنبول. عندما أنجبت طفلتي الأولى، قررت أن لا أعمل في منطقة نزاع مرة أخرى. شعرت أنه سيكون من الأنانية، خاصة إذا ما حدث لي شيء خلال الحرب، واضطرت ابنتي  أن تكبر بدون أم.

عندما أتصل بعائلتي في غزة، يسألونني عما إذا كانت المساعدات قد وصلت. إذا سمعوا انفجارا قويا، يسألونني إن كنت أعرف المصدر أو الهدف. إنهم معزولون تماما عن العالم

قررت تغطية الحرب من هنا. يمكنني الاتصال بمصادري والعائلة والجيران في غزة والكتابة من منزلي. راسلت  المواقع  التي أعمل معها، وعرضت أفكارا وموضوعات وتقارير صحفية عن غزة. جميعهم قالوا إنهم يفضلون شخصا على الأرض. ولكن بعد بضعة أيام، عندما قطعت إسرائيل الكهرباء والإنترنت عن غزة، لم يتمكن الصحفيون المحليون من إرسال قصصهم. فكتب المحررون يسألون عما إذا كان بإمكاني الكتابة لهم.

أكتب الآن مقالا واحدا في اليوم. في الظروف العادية، كنت أتعامل مع الكتابة كأنها فن. آخذ وقتي ونادرا ما أكتب أي شيء بهذه السرعة. لكن مع الحرب المستمرة، أشعر أنه من واجبي أن أكتب كل يوم. كما أنني أخصص وقتا للإجابة على أسئلة وسائل الإعلام الدولية وإجراء المقابلات والترجمات. أنشر أيضا بشكل دوري على وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الوعي.

أحاول تنبيه الناس إلى الأخبار الكاذبة، مثل المزاعم التي رددتها معظم وسائل الإعلام الغربية، وكررها قادة العالم كالرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن حماس قطعت رؤوس الأطفال واغتصبت النساء.

أبذل قصارى جهدي، لكنني أعمل على مدار الساعة. هذا يعني أنني لا أقوم بعمل رائع كأم. أقضي وقتا أقل مع ابنتي، وأمنحها وقتا أطول من العادة أمام الشاشة. لكنني أعلم أن الوضع مؤقت. دوري كصحفية مهم. من المهم أيضا سرد القصة من وجهة نظر فلسطينية لأنه ليس من العدل أن تهيمن وجهة النظر الإسرائيلية على التغطية الإعلامية.

أحاول أن أبقى محايدة في تغطيتي، لكنني أشعر أن جميع القنوات التلفزيونية الرئيسية تقف إلى جانب إسرائيل. كيف أكون محايدة عندما تحتل إسرائيل وطني وشعبي، وتعزله، وتقطع المياه والكهرباء والإنترنت، وتقصف على مدار الساعة؟

أحاول أن أحافظ على لغة صحفية محايدة، أنسبُ الأخبار لمصادرها، ولكنني لا احاور مسؤولين اسرائيليين في مقالاتي، لا أقدم منصة  للاحتلال في مقالي. لا أدعو مغتصبا ليخبرني جانبه من القصة مع ضحية الاغتصاب.

لست مصدومة من أن الغرب قد انحاز إلى جانب إسرائيل. ولست مندهشة من ردود أفعال الناس على وسائل التواصل الاجتماعي. لكنني مصدومة من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ينشر أخبارا مزيفة. لقد كذب بشكل صارخ أمام العالم كله عندما قال: "رأيت صورا لأطفال مقطوعي الرؤوس".

من المهم أيضا سرد القصة من وجهة نظر فلسطينية لأنه ليس من العدل أن تكون وجهة النظر الإسرائيلية هي المهيمنة

عائلتي في غزة تعتمد عليّ في الحصول على الأخبار. عندما أتصل بهم، يسألونني عما إذا كانت المساعدات قد وصلت إلى غزة. إذا سمعوا انفجارا قويا، يسألونني إن كنت أعرف المصدر أو الهدف. إنهم معزولون تماما عن العالم. ليست لديهم أي فكرة عما يحدث.

أشعر أن هناك ضغطا هائلا علينا نحن الصحفيين المحليين. إسرائيل لا تريد أن يعرف العالم ما يحدث في فلسطين. إنهم يفرضون حصارا على غزة و تعتيما إعلاميا. وبالكاد تستطيع دور الإنتاج والصحفيون المحليون في غزة تغطية الأحداث بدون كهرباء أو إنترنت.

لا أخفي أنني أشعر ببعض الارتياح لأنني أستطيع العمل من هنا. لو كنت في غزة تحت القصف، لما تمكنت من العمل أو الكتابة. كنت سأحاول مواساة طفلتي وحمايتها. كنت سأهرب من مكان إلى آخر، ولا يوجد مكان آمن في غزة. هذه الحرب ليست مثل أي شيء رأيته من قبل. هذه المرة، حجم الدمار لم يسبق له مثيل. هنا، أنا بأمان وابنتي آمنة. إنه أفضل لصحتي النفسية، ويمكن العمل بشكل أفضل.

أحاول أن أتجنب المشاهد والصور الدموية. لا أريد أن أرى صورا للمستشفيات المدمرة أو الأطفال وهم يبكون لأن تأثيرها سلبي جدا ولن أستطيع عندها التركيز والعمل والإنتاج. 

عندما أجري مقابلات مع أشخاص في غزة، لا أسألهم أبدا عن شعورهم. أطلب المعلومات فقط، وليس وصفا للمشاعر. كيف تتخيلين أن تشعر امرأة فقدت ابنتها أو والدتها؟ أسألهم عما حدث وكيف حدث، وأخيرا أسأل عما إذا كان لديهم أي شيء آخر يضيفونه. وهنا يتحدثون عادة عن مشاعرهم.  

الصورة الرئيسية: سمر أبوالعوف لصحيفة النيويورك تايمز.