منذ أكثر من عام، شعرت ريم عباس، العضوة في شبكة ماري كولفن للصحفيات، أن الحرب قادمة إلى بلادها. ومع ذلك، لم يحضّرها شيء لتلك اللحظة عندما بدأت الطائرات الحربية بالتحليق فوق منزلها في العاصمة الخرطوم. بعد ثلاثة أسابيع من نشوب أعمال العنف، اتخذت ريم وأسرتها قرارا صعبا بترك بيتهم، ربما للأبد. تعيش ريم اليوم في القاهرة مع أسرتها، ولديها الآن زمالة في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط. التقينا بريم في هذه المقابلة للاستماع إلى انطباعاتها عن الوضع في السودان، والتغطية الإعلامية للحرب.
كيف تبدو الحياة في القاهرة لك ولأسرتك الآن؟
نحن نحاول أن نبدأ حياة جديدة هنا، بينما لا نزال نحاول استيعاب ما حدث لنا. أنا أعرف القاهرة بشكل جيد لأنني درست في الجامعة هنا، والقاهرة لها مكانة خاصة في قلبي. ولكننا نشعر بالاختناق. أن تأتي إلى هنا في إجازة هو شيء، وأن تأتي لأنه لم يعد لديكِ بلد تعودين إليه هو شيء آخر تماما.
لقد احتلت قوات الدعم السريع (التي يقودها الجنرال محمد دقلو "حميدتي") منزلنا في الخرطوم. نهبوا بيتنا ونحن الآن نحاول أن نتعامل مع هذه الخسارة.
لأربعة أعوام كنت أدفع أقساطا على شقة لي. كنت قد اشتريت لوحة للفنان عصام عبدالحافظ. تركتها في مكتبتي وهي لا تزال ملفوفة بغلافها. تركت مئات الكتب التي اقتنيتها على مدى عقدين. تمكنت فقط من جلب بعض الكتب التي كنت أقرؤها: "رجلنا:ريتشارد هولبروك ونهاية القرن الأمريكي" لجورج باكر، "المبتسرون" لأروى صالح، و"عندما يقتل السلام السياسة" لشارات سريفنسان.
أحاول أيضا أن أعطي ابنتي التي تبلغ من العمر خمسة أعوام شعورا بالحياة الطبيعية. كانت غاضبة عندما أخذتها لأداء امتحان للدخول إلى مدرسة في القاهرة لأنها تريدة العودة إلى مدرستها وأصحابها في الخرطوم. لا نزال نحاول التعامل مع ما حدث. كل شيء صار بسرعة ولم يتح لنا الوقت لكي نحزن على بلدنا.
هل تفاجأتِ من ما حدث في السودان، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار التوتر السياسي التي سبق نشوب الحرب؟
منذ عام ونصف وأنا أتوقع هذه الحرب. كان الهلع ينتابني أحيانا من هذا الاحتمال، فأخرج لشراء أشياء للبيت لأنني شعرت أننا بحاجة لأن نكون مستعدين. ولكن لا يمكن لأي أحد أن يحضر لحرب، مهما كدّس من أشياء. وجزء منّي كان يخشى إن حضّرت للحرب أن تتحقق النبوءة من نفسها.
كنت أخشى إن حضّرت للحرب أن تتحقق النبوءة من نفسها
أشعر الآن بمسؤولية كبيرة وبأن عليّ أن أقول للعالم ما يحدث. ولهذا أمضي وقتا طويلا في نشر آخر التطورات على حسابي على تويتر. هناك الكثير من القصص التي لم تصل إلى نشرات الأخبار، كقصة الحيوانات التي تتضوّر جوعا في مراكز الإيواء، وأعمال النهب التي طالت المتحف الوطني. قبل بضعة أعوام، تبرعنا بالمكتبة الشخصية لجدي الأكبر إلى مركز أبحاث، وهذا المركز الآن تم إحراقه.
كيف ترين التغطية الإخبارية للحرب في السودان على وسائل الإعلام؟
أغلبها ليست رائعة. هناك صراعات كثيرة تحدث الآن حول العالم ولقد تحوّلنا إلى مجرد صراع آخر. أشعر أحيانا أنني أعمل طيلة الوقت أنشر أخبارا على تويتر لا يتم تغطيتها في أماكن أخرى.
أعتقد أن السودان اختفى من عناوين النشرات الإخبارية لعدة أسباب. أولا، عدد الصحفيين السودانيين الذين يعملون مع وسائل الإعلام الدولية ليس بكبير، وبالتالي لا يوجد هناك ضغط في غرف الأخبار لتوفير تغطية أفضل للسودان. ثانيا، هناك حاجز اللغة. أغلب الصحفيين السودانيين يكتبون فقط باللغة العربية. ثالثا، هناك أولويات استراتيجية أخرى على الصعيد الدولي، ما يعني أننا نتنافس لجذب اهتمام العالم. لهذا السبب نسعى للربط ما بين الأخبار في السودان وقصص أخرى. على سبيل المثال، هناك أطراف في هذا الصراع مرتبطة بروسيا ومجموعة فاغنر المرتزقة، وهذه وسيلة لإبقاء السودان في الأخبار.
من الصعب أيضا إقناع المحررين بالاستمرار في تغطية السودان طالما أن لا شيء "جديد" يحدث. إذا لم يتوقف القتال مثلا، وفي غياب مفاوضات سياسية، فإن المحررين لن يكونوا معنيّين كثيرا بالنظر إلى القصة.
وكالة رويترز للأنباء تقدم تغطية جيدة لأن لديهم بنية جيدة في السودان تمكّنهم من ذلك. ولكن كيف يمكن لهذه التغطية أن تؤدي إلى مزيد من الضغط؟ نحن بحاجة لاستغلال التغطية الإعلامية لإحداث المزيد من الضغط السياسي بشكل يفضي إلى تغيير.
هل تؤمنين حقا بأن تغطية صحفية مكثفة يمكن أن تفضي إلى نتائج سياسية؟
آمل ذلك لأن وضع تحالف قوى الحرية والتغيير تأثر سلبا من هذه الحرب. وبالتالي إذا لم يتمكنوا من استغلال حملات المناصرة والضغط الدولي فإن التغطية الإعلامية ستتوقف. في الحرب، علينا أن نبقي وتيرة التغطية الإعلامية مستمر وإلا فإن العالم سينسانا.
هل هناك أمور تشعرين أنه يتم إغفالها في تغطية الحرب، أو أنها ليست في السياق الصحيح؟
أعتقد أنه لا يوجد حديث كثير عن أن ما يحدث، إلى حد ما، هو حرب بالوكالة. هناك دور لأطراف دولية كثيرة، وهذا الأمر لم يتم التحدث عنه بشكلٍ كافٍ. لا يوجد حديث كافٍ عن دور دول الخليج أو الجهات الداعمة لقوات الدعم السريع، وأن هذه الحرب لا هدف لها سوى تدمير البنية التحتية في السودان بشكل تام، سواء السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
هناك صورة تتكرر في المنطقة نفس الأطراف المنخرطة في اليمن وليبيا منخرطة الآن في السودان
ولكن ما هي المصلحة التي يمكن جنيها من تدمير السودان؟ إذا كانت هذه حرب بالوكالة فما هي المصالح الاستراتيجية؟
لا أعتقد أن الإجابة واضحة حتى لنا نحن السودانيين. هنا أمور كثيرة تحدث ولا علم لنا بنا. ولكن أرى أن هناك صورة تتكرر في المنطقة. نفس الأطراف المنخرطة في اليمن وليبيا منخرطة الآن في السودان ولذا أرى نفس صورة الدمار تتكرر. السودان بلد غني بموارد كثيرة، و من النادر في المنطقة أن يكون هناك بلد بمساحات شاسعة وثروة زراعية كبيرة، وهذه الثروات متوفرة للنهب طالما أن الحكومة ضعيفة ولدينا جيشان.
يمكنكِ أن تستنتجي بعض الأمور فيما يتعلق بدور دول الخليج بالنظر إلى تغطية المحطات الإعلامية التي تملكها هذه الدول. يريدون لهذه الحرب أن تأخذ منحى معيّنا وأن يتم تقسيم السودان بنفس الطريقة التي تم فيها تقسيم ليبيا: بلد وحد بحكومتين، وكل واحدة منها مدعومة من طرف مختلف.
أنصح بمتابعة موقعي دارفور24 وسودان تريبيون لمعرفة ما يحدث على الأرض.