hello world!

روايات متضاربة، فيديوهات عشوائية على موقع يوتيوب. متصلون يدّعون أنهم في مدينة معينة، بينما هم في الواقع  في مدينة أخرى... تمييز الحقيقة من الكذب ليس أمرا سهلاً بالنسبة لمستهلك الأخبار العادي. ولكن ماذا عن الصحفيين الذين يغطون القصص الكبيرة في أماكن مثل اليمن وسوريا والعراق، والذين تتمثل مهمتهم في التحقق من هذه المعلومات وتزويد العالم بأخبار دقيقة وذات مصداقية؟

ارتكاب خطأ في نقل الأخبار قد ينهي مصداقيتكٍ، وربما يكلفكٍ وظيفتك.

ارتكاب خطأ في نقل الأخبار قد ينهي مصداقيتكٍ، وربما يكلفكٍ وظيفتك.

في عام ٢٠٠٤، خسر محرر صحيفة الديلي ميرور في المملكة المتحدة، بيرس مورغان، وظيفته بعد أن نشرت الصحيفة صورًا مزيفة لجنود بريطانيين وهم ينكلون بمعتقلين عراقيين. في عام ٢٠١٣، اضطرت شبكة "سي بي إس" الأمريكية إلى نشر اعتذار، وتعليق عمل بعض الموظفين بشكل مؤقت في برنامجها الرئيسي "٦٠ دقيقة"، بعد أن اتضح أن تقريرهم حول الهجوم على مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي، ليبيا، اعتمد بشكل رئيسي على شهادة أحد شهود العيان، وهو ديلان  جونز. كان جونز قد أخبر الشبكة أنه ذهب إلى مقر البعثة الدبلوماسية بعد الهجوم وشاهد آثاره (بل وزعم أنه تعارك مع  أحد المسلحين)، إلا أنه اعترف فيما بعد لمكتب التحقيقات الفيدرالي (الإف بي أي) بأنه لم يطأ قدما في مكان الهجوم في تلك الليلة.

هناك مناسبات  عدة قامت خلالها وسائل الإعلام بنشر نفس القصة، كعنوان رئيسي، ثم اضطرت بعدها إلى التراجع لأنها كانت قصص كاذبة. في عام ٢٠١١، عندما بدأت الاحتجاجات في سوريا، تحدثت وسائل إعلام كبيرة عن ناشطة سورية تدعى أمينة عبدالله عارف، التي اشتهرت مدونتها "فتاة مثلية من دمشق" بعد أن زُعم أنها قد اختطفت . وكتبت مواقع على شبكة الانترنت، من بينها شبكة  سي إن إن تحليلات عن  تحول هذه الناشطة إلى رمز لنشاط المثليين في العالم العربي. لكن سرعان ما ظهرت الحقيقة (التي أجبرت جميع وسائل الإعلام على تصحيح تقاريرها) بأن أمينة عارف هي شخصية وهمية وأن من يقف وراءها هو أمريكي من جورجيا يدعى توم ماكماستر.

سواء كان ذلك في غرفة الأخبار أو في الميدان،  فإن التحقق من المعلومات قد يشكل مهمة صعبة لأي صحفي، بمن فيهم عضوات الشبكة.

لذلك، تحدثنا مع اثنتين من مرشدات الشبكة، جمانة كرادشة من شبكة سي إن إن الأمريكية، وراوية راجح مراسلة قناة الجزيرة سابقا والتي تعمل حاليا في منظمة العفو الدولية، للتعرف على تعاملهما مع مسألة التحقق من المعلومات أو لدى حصول خطأ في تغطية قصة معينة.

هل سبق لكٍ أن وقعت في فخ المعلومات الكاذبة؟

أما بخصوص تغطية الحرب في سوريا، فكانت محاولة التحدث إلى الناس هناك أو متابعة بعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تزعم أنها قادمة من هناك من أصعب التحديات التي واجهتني.

جمانة كرادشة: لا أعتقد أنني وقعت في فخ المعلومات الخاطئة، لكننا تتبعنا  الكثير من الروايات الكاذبة. عندما كنت مقيمة في ليبيا، كان التحدي الأكبر الذي واجهنا هو الشائعات. كان التحقق من قصة يستغرق ساعات، إن لم يكن أياما، وذلك ببساطة بسبب وجود العديد من الروايات المختلفة. للأسف، بعض وكالات الأنباء (دون ذكر اسمها) كانت تنشر الرواية الأولى التي تحصل عليها دون التحقق منها. لن أنسَ أبداً ما حصل عندما اندلعت اشتباكات كبيرة عام ٢٠١٢ والتي ذهبنا في أعقابها إلى الخطوط الأمامية. سمعنا روايات مختلفة من الأشخاص الذين شاركوا بالاشتباكات عن سبب اندلاعها.

أما بخصوص تغطية الحرب في سوريا، فكانت محاولة التحدث إلى الناس هناك أو متابعة بعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تزعم أنها قادمة من هناك من أصعب التحديات التي واجهتني.

راوية راجح: التعرض الأكبر للمعلومات الكاذبة في مسيرتي المهنية كان بالتأكيد خلال الانتفاضات العربية. شهدت تلك الفترة اضطرابات كبيرة واستخداما مكثفا لوسائل التواصل الاجتماعي. كانت الاحتجاجات تحصل بشكل متزامن في مختلف البلدان، وكانت أشرطة الفيديو التي يصورها النشطاء تتدفق إلى غرف الأخبار. في بعض الأحيان، ظهرت  مقاطع الفيديو تزعم أنها توثّق مظاهرة في مدينة ما، بينما هي بالحقيقة في مدينة أخرى وفي دولة أخرى.

برأيي، كانت هذه بداية التشديد على مسألة التحقّق من المعلومات. كانت وفرة المعلومات بمثابة عاصفة، وشكلّت التطورات المتسارعة في عدد من الدول تحديّا كبيرا بالنسبة لغرف الأخبار حول العالم فيما يتعلق بالتحقّق من صحة المعلومات.

بالنسبة لي شخصيا، أهم الدروس المستفادة من الانتفاضات العربية، وخصوصا بعد متابعتي للأخطاء المتتابعة عبر الإنترنت، هي عدم إعادة تغريد أي شيء دون إجراء بحث رجعي بسيط للصور التي يتم مشاركتها. حتى لو لم تكن هذه التغريدة خاصة بي، وبغض النظر عن مدى شهرة أو مصداقية الناشط أو الصحفي الذي يشاركها، يجب عليّ القيام بالحد الأدنى من عملية التحقق.

في بعض الأحيان، ظهرت  مقاطع الفيديو تزعم أنها توثّق مظاهرة في مدينة ما، بينما هي بالحقيقة في مدينة أخرى وفي دولة أخرى.

كيف تميزين بين الحقيقة و الكذب؟

كرادشة: هذا هو التحدي الأساس. أنت لا ترغبين بتجاهل معلومة بشكل تام لأن لديك شكوك حولها، بينما من الممكن أن تكون سبقا إعلاميا.  ولهذا عليك دائما بالتحقّق، والتحقّق ومن ثم التحقّق.

من الواضح أن هناك صعوبات في تنفيذ ذلك. في سوريا، مثلا، عندما قمنا بتغطية الأحداث في حلب أو في الغوطة الشرقية، كان هناك عدد من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي يُفترض أنهم ينقلون الأخبار من هناك. للتحقّق من هوياتهم، كان علينا الاستعانة بأشخاص أو نشطاء موجودين على الأرض في هذه المناطق، والذين نثق بهم. كنا نطلب منهم المساعدة بالتحقق من هذه الحسابات. كان هذا الأمر أكثر سهولة في حلب من الغوطة، وذلك لأنه لم يكن لدي الكثير من المصادر الموثوقة في الغوطة.

كنت أحاول مثلا التحقق من الموقع الجغرافي للشخص للتأكد من تواجده فعلا في المكان الذي يقول أنه موجود فيه. هناك أدوات لتحديد المواقع الجغرافية، ويمكنك الاستعانة بمنظمات مثل Bellingcat إذ تقوم هذه المنظمة بعمل رائع في مجال التحقق من المواقع، وقد ساعدونا في حلب.

مرة أخرى، وبدون ذكر منظمات أو أشخاص بالاسم، لقد شاهدت مقابلات تم إجراؤها عبر مواقع التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك مسنجر وتويتر) مع اشخاص ادّعوا أنهم موجودون في مكان ما دون التحقق من ذلك. عليك الحديث مع الشخص بشكل مباشر وأن تطلبي رؤية وجهه. إذا كان ذلك صعبا، اطلبي الحديث معه عبر الهاتف. اسألي الكثير من الأسئلة فكلما سألت أكثر، كلما تمكنت من التحقق أكثر.

أنت لا ترغبين بتجاهل معلومة بشكل تام لأن لديك شكوك حولها، بينما من الممكن أن تكون سبقا إعلاميا.

راجح: مسؤولية الإثبات تقع على عاتق الصحفيين. مهمتنا ليست فقط إعلام الجمهور بل القيام أيضا بالحد الأدنى من التحقق لضمان صحة مصادرنا.

لا تنشري قصة تستند إلى مصدر واحد أبدًا. أنت تحتاجين على الأقل إلى إثنين أو ثلاثة مصادر. إذا كانت القصة مثيرة للجدل بشكل كبير فقد تحتاجين إلى المزيد من المصادر. الهدف هو استكمال "مثلث" التحقق مما يقوله المصدر، وذلك من خلال التحدث إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، ومن خلال إجراء بحث إضافي في الوثائق ومصادر المعلومات المفتوحة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الخبرة مهمة. كلما زادت خبرتك كلما تطور لديك حدس وقدرة على الانتباه لبعض الكلمات أو تمييز ما اذا كان صوت الشخص حقيقيا أم لا. ولكن، وبنفس مقدار الأهمية، عليك الحفاظ على عقل منفتح ولا تدعي خبرتك تدفعك إلى  التهكم أو الاستخفاف بما يقوله الناس.

في حال الوقوع في فخ الأخبار أو المعلومات الكاذبة، ماذا يجب على الصحفي أن يفعل؟

كرادشة: نحن نعيش أوقاتا مخيفة وخصوصا في ظل حرب "الأخبار الكاذبة - الأخبار الحقيقية" التي نشهدها.

لقد وقع الكثير من الناس في فخ المعلومات الكاذبة، ، بمن فيهم صحفيون مشهورون. كلنا نخطئ، و أعتقد أن الصدق هو الطريقة الوحيدة للتعامل مع الخطأ. يجب أن تكوني صريحة وصادقة حول سبب وكيفية وقوعك في الخطأ. سواء كان ذلك على شاشة التلفزيون أو عبر الإذاعة، خاطبي جمهورك أو اكتبي  رسالة. توخي الحذر في المعلومات لأنها حقل ألغام. ولكن إذا حصل خطأ، عليك التعامل معه بصدق.

راجح: عليك تحمل المسؤولية كاملة عن تصحيح المواد الكاذبة، ولا تكوني دفاعية. تقع  الأخطاء في أفضل الظروف وفي أفضل غرف الأخبار. لا شيء يدل على النزاهة أكثر من تحمل المسؤولية في تصحيح الخطأ.

عليك تحمل المسؤولية كاملة عن تصحيح المواد الكاذبة، ولا تكوني دفاعية. تقع  الأخطاء في أفضل الظروف وفي أفضل غرف الأخبار. لا شيء يدل على النزاهة أكثر من تحمل المسؤولية في تصحيح الخطأ.

نصائح جمانة كرادشة حول الكشف عن، التحقق من، أو تجنب المعلومات الكاذبة:

1.     ثقي بحدسك دائما. إذا كنت تشعرين أن أمرا ما غير صحيح أو أنك غير واثقة من الرواية ، حتى لو أتت من مصدر موثوق، قومي بالتحقق من خلال مصادر إضافية. تحققي من أي قصة من خلال مصدرين مختلفين على الأقل.

2.     اسألي. هذا أمر بالغ الأهمية. إذا وصلت إليك قصة، ابحثي أكثر. لا تتسرعي في النشر. أتذكر هذا القاعدة بفضل مديري، والذي يقول دائما أنه من الأفضل أن ننشر متأخرين وصادقين، بدلا من سريعين ومخطئين. الأمر يتعلق بسمعتك ومسؤوليتك. لذا،  عندما تشعرين بأنك تحتاجين للمزيد من المعلومات، انتظري قليلا قبل النشر.

3.     استعيني بزميل/ة تثقين به/ا. استشيري المحرر/ة أو أي شخص يعمل معك بشكل دائم، والذي يمكنك تلقي نصائحه/ا. في بعض الأحيان، نقوم بالعمل لوحدنا، لكننا نحتاج أحيانا إلى شخص ثاني لمشاركته أفكارنا وأسئلتنا.تجري مقابلات بدون التحدث مباشرة مع الشخص. هذه معضلة كبيرة تواجهنا حاليا في مواقع التواصل الاجتماعي. أقترح أن تقومي بإجراء اتصال هاتفي مع الشخص أولا. إذا كنتم في دول مختلفة، اطلبي رؤيته شخصيا عبر الكاميرا، وإذا كان ذلك صعبا، اطلبي أن يقوم بإرسال رقم هاتف أرضي لتتمكني من الاتصال به. افعلي ما بوسعك للتحقق من هوية هذا الشخص.

5.     اسألي نفسك: "لماذا يريد  هذا الشخص إعطائي هذه القصة؟" هذا سؤال هام إذا شعرت أنه يعطيكِ  معلومات كاذبة. من هم المصادر ولماذا يأتون إليك؟ اطرحي هذه الأسئلة عليهم. عليك دائما التفكير بالدافع وراء إعطائك معلومات معينة.

نصائح راوية راجح حول الكشف عن، التحقق من أو تجنب المعلومات الكاذبة:

1.     تحقّقي. يمكنك التحقق من الصور ومقاطع الفيديو من خلال إجراء بحث رجعي. أحد محركات البحث التي ينصح باستخدامها لهذا الغرض هو www.tineye.com. يمكنك التحقق من الشهود من خلال تحديد موقعهم، وخاصة عندما تجرين مقابلات عن بعد. اطلبي منهم أن يرسلوا لك موقعهم عبر الانترنت pin.

2.     انتبهي للروابط. هناك ظاهرة منتشرة حاليا تسمى "الروابط المشكوك بها"، والتي تنشر الأخبار الكاذبة. دققي النظر في هذه الروابط لأنها عادة ما تظهر مشابهة لأسماء مواقع إخبارية مشهورة وكبيرة، باختلاف حرف واحد، إما حرف زائد أو حرف ناقص.

3.     كوني حذرة. إذا كنت تشعرين أنه أمرا لا يبدو صحيحا، أو يبدو جيدا أكثر من اللازم، فهذا غالبا يعني أن عليك مضاعفة جهودك للتحقق من المعلومات من خلال مصادر إضافية.

4.     اسألي دائما. لا ضرر في ذلك. إذا كنت تحتاجين للتحقق من معلومات يقولها لك أحد مصادرك، اسأليه "مع من يمكنني التكلم؟"، "أين يمكنني الذهاب؟".

5.     اعملي في بيئة متعاونة. اطلبي من المحرر/ة أن يدقق في المواد. وجود محرر/ة، حتى لو كنت صحفية حرة، يمنحك دائما شبكة أمان. عندما تكونين قريبة جدا من القصة، قد تفوتك أحيانا بعض التفاصيل الصغيرة، والتي يمكن أن تلتقطها عين أخرى في عملية التحقق.

هل تعملين على قصة حساسة وتواجهين إشكاليات في التحقق من بعض المعلومات أو من شهادات بعض الأشخاص؟ يمكنك دائما مشاركة تجربتك وطلب المشورة من مرشداتنا عبر قسم الأسئلة والأجوبة على موقع الشبكة. تذكري: يمكنك طرح السؤال مع إبقاء هويتك مجهولة، خاصة إذا كنت تعملين على قصة حساسة.