بينما كنت أنظر إلى الدانتيل الأبيض الذي يغطي مقاعد التاكسي في مطار طوكيو، وبينما كان السائق يغلق أوتوماتيكيا الأبواب من حولي، بدأت أستوعب واقع وظيفتي الجديدة. فلقد انتقلت للعيش في طوكيو في يناير/كانون ثاني ٢٠١٨، للعمل في وظيفتي الجديدة كنائبة محرر الأخبار ومحررة قسم الاقتصاد لوكالة الأنباء الفرنسية.
كنت قد أمضيت خمس سنوات من العمل في لبنان، وقبل ذلك عامين ونصف في القدس، تخللتها رحلات عمل عبر المنطقة كلها خلال أكثر الفترات اضطرابا، و كنت أبحث عن تغيير في عملي.
أردت أن أكتب عن شيء آخر غير الفوضى والاضطراب، أردت تحديًا جديدًا وأردت أن أتفادى حصري مهنيا في خانة واحدة.
أردت أن أكتب عن شيء آخر غير الفوضى والاضطراب، أردت تحديًا جديدًا وأردت أن أتفادى حصري مهنيا في خانة واحدة. وأعتقد أن هذا هو هاجس مشترك بين العديد من الصحفيين الذين يعملون في منطقة واحدة من العالم.
بعض الناس حريصون على تكريس حياتهم المهنية لتغطية منطقة جغرافية واحدة، وهذا قرار قيّم لأنه يخلق مراسلين يتمتعون بخبرة ومعرفة مهولة. لكنني كنت أخشى أبقى مقيّدة في الشرق الأوسط لأني أتكلم العربية ولدي خبرة في تغطية هذه المنطقة.
لعدة سنوات كنت أخبر رؤسائي في وكالة الأنباء الفرنسية أنني أرغب بمغادرة الشرق الأوسط في وقت ما. ومع أنهم لم يرغبوا أن يخسروا صحفية تتحدث العربية لصالح منطقة أخرى ، إلا أنهم أبدوا دعما كبيرا لي.
توفر وكالة الأنباء الفرنسية فرص جيدة تتيح للصحفيين التنقل بين مناطق مختلفة. لكن هذا يتطلب عملا حثيثا يشمل الحديث مع رؤسائي وزملائي في المناطق أو المكاتب التي أرغب بالانتقال إليها. وبالفعل كنت قد تقدمت للعديد من الوظائف قبل أن يتم قبولي لهذه الوظيفة. كانت عملية محبطة في بعض الأحيان، لكنها أثبتت لرؤسائي أنني كنت جادّة في رغبتي بالانتقال، وجعلت مطلبي أكثر إقناعا.
رافق التحضير لخطوة الانتقال هذه مخاوف كثيرة، حيث أنني سأغوص في منطقة غير مألوفة لي. بدأت بفرز أصدقائي وزملائي الذين يعيشون في اليابان وطلبت توصياتهم بكتبٍ للقراءة، غير الروائية منها والروائية أيضا لأنني اعتقد أنها توفر نظرة داخلية للمكان ولشعبه.
كما وبدأت بتحديث قوائم التويتر الخاصة بي، وأصبحت أتابع صحفيين وأكاديميين وسياسيين وشخصيات ثقافية في اليابان والمنطقة. لقد قمت بتنزيل تطبيقات لتعلّم الحروف اليابانية، لكنني سرعان ما أدركت أن ذلك غير كاف، وأن علي قبول حقيقة أنني لن أتدبر أموري لوحدي باللغة اليابانية.
كانت صدمتي الثقافية عميقة إلى حد ما. لقد ولت أيام محادثة الساسة والمسؤولين في الشرق الأوسط عبر الواتس-أب. هنا، يتم التقدم بطلب مقابلات عبر الفاكس. ويحضر المسؤولون إلى المقابلة وبحوزتهم عدة ملفات من المستندات وقوائم الإجابات الجاهزة.
لدى وصولي المكتب، شعرت بقلق عميق إزاء مسألة الفروق الثقافية، إذ كنت قد قرأت الكثير حول أهمية الرسميات في العلاقات التجارية والاجتماعية في اليابان. كان علي مخاطبة زملائي اليابانيين بإضافة "سان" بعد اسمهم، وعندما أقوم بإجراء مقابلات مع أشخاص، يتوجب علي إظهار بطاقة العمل بالطريقة الصحيحة، وذلك بإظهار وجه البطاقة حتى يتمكنوا من قراءة الاسم ، ممسكة بطرفها العلوي بحذر، ومنحنية نحو الأمام لدى تسليمها.
لكنني أدركت أيضا أن التوقعات مني كأجنبية منخفضة نوعا ما. أنا متأكدة من أنني أخالف بعض القواعد الاجتماعية، لكنني أفعل كل ما بوسعي.
كانت صدمتي الثقافية عميقة إلى حد ما. لقد ولت أيام محادثة الساسة والمسؤولين في الشرق الأوسط عبر الواتس-أب. هنا، يتم التقدم بطلب مقابلات عبر الفاكس. ويحضر المسؤولون إلى المقابلة وبحوزتهم عدة ملفات من المستندات وقوائم الإجابات الجاهزة. ورغم ذلك، غالبا ما تكون إجاباتهم جافة وهزيلة.
وبما أنني لا أتحدث اليابانية، كان علي، لأول مرة خلال مشواري المهني، أن أعتمد دائما على شخص آخر لمساعدتي في الترجمة. هذا هو أحد أصعب الأشياء التي كان علي تقبلها.
على الرغم من ذلك، منحتني هذه الخطوة فرصة للتعلم والنمو. كما أنني جلبت منظورا جديدا إلى مكتب مليء بالمراسلين اليابانيين والأجانب، الذين قضوا العديد من السنوات فيه.
أحيانًا يراودني الشعور بالقلق إزاء كفاءتي في تغطية مواضيع مثل البنك المركزي أو الرياضة، لكن هذا يدفعني إلى القراءة ومعرفة المزيد.
أهم النصائح التي تقدمها سارة حسين للصحفيات المعنيّات بالتنقل في حياتهم المهنية:
1) كوني مرنة. لا تحصري نفسك في التقدّم لوظائف في مكان أو منطقة واحدة فقط. قد تظهر لك فرصة بصورة غير متوقعة.
2) كوني سياسية. قومي بالتشبيك مع الأشخاص المناسبين في مؤسستك أو في أي مكان آخر إذا كنت معنيّة بالانتقال.
3) كوني صبورة. قد يستغرق الأمر سنوات، لكن التمهيد من خلال التشبيك والتقدم لوظائف سيمهّد الطريق نحو هدفك.
4) كوني واثقة. من السهل على صاحب العمل توظيف شخص على اطلاع بمنطقة معيّنة أو يعيش فيها. عليك إقناعهم بأن مهاراتك قابلة للتطبيق في مكان آخر وأنك خيار أفضل من شخص آخر متواجد على الأرض.
الصورة: سارة حسين، مراسلة وكالة الأنباء الفرنسية ومرشدة في شبكة ماري كولفن للصحفيات، أثناء زيارة ميدانية على الحدود اللبنانية السورية.