hello world!

منذ فترة طويلة وزميلتنا، الصحفية الأردنية لينا شنك، مهتمة بتوثيق قضايا الشرائح المهمشة في المجتمع، والتي تعاني من إهمال الدولة. في يوليو تموز 2017، بدأت لينا مشروع كتاب لتوثيق أزمة أهالي جبل الجوفة. لم يكن بإمكانها تمويل المشروع بنفسها، كما أن الحصول على تمويل دولي أو محلي كان مسألة معقدة. لذا، قررت لينا التوجه إلى جمهورها الأردني وطلب المساعدة لإكمال المشروع...

 

أعتقد أن كل واحدة منا لديها تلك الفكرة الطموحة لتقريرٍ أو مقالٍ تحلم بالتعمق فيه حين تحين الفرصة. وغالباً ما ترتبط هذه الفرصة بتوفر التمويل المناسب. فمن منا لم تواجه صعوبة في إيجاد التمويل اللازم للتفرغ للكتابة والبحث؟

كانت فكرتي ببساطة تأليف كتاب يتناول القصص الشخصية لسكان منطقة جبل الجوفة في العاصمة الأردنية عمّان، والتي تضم خليطاً من الأردنيين والعمال الوافدين من جنسيات مختلفة. هذه المنطقة تعاني من إهمالٍ شديد منذ عدة عقود، والحياة فيها قاسية. عندما بدأت مشروعي لجمع قصص أهل الجوفة، لم أكن أعرف من سيهتم بنشر هذه القصص، أو كيف سيتم نشرها (سواء بصورة مقال أم كتاب)، ولذا كان على الناس الذين استقبلوني في بيوتهم تحمل زياراتي وأسئلتي المتشعبة.

الميزة الأساسية لهذا التمويل هو أنه يحرر الكاتب من عبء "أجندة الممول"، كما أنك تمنحين الجمهور الذي يساهم في دعمِك شعورا بأنه يشارككِ في ملكية التقرير

بعدأن انتهيت من البحث وجمع القصص، كتبت مسودة لفصلٍ قصيرٍ، وحصلت على موافقة مبدئية من دار نشرٍ أردنية. لكنني كنت بحاجة إلى مبلغٍ صغيرٍ من المال كي أتمكن من التفرغ للعمل على الكتاب، خاصة أنني كنت قد أنفقت الكثير أثناء عملية البحث. فمصاريف المواصلات لرحلةٍ شبه يومية مدتها ساعتين ذهابا وإيابا كانت كثيرة. الأهم من ذلك هو أنني اضطررت للتوقف عن العمل للتركيز على مشروعي في الجوفة، ولم يكن لدي دخلٌ في تلك الفترة.

لم يكن سهلا العثور على المموّل المناسب لمشروعي. فمع أن الشبكة العنكبوتية تبشرنا بعدد هائل من الفرص، إلا أن التجربة العملية أثبتت أن الأمر أكثر تعقيداً. فإذا تقدمتِ بطلب للحصول على تمويل من جهات أجنبية، قد تبذلين جهداً كبيراً لكتابة مقترح مطوّل لشرح فكرة بسيطة جداً، وهذا ما لا أجيده على الإطلاق. إضافة إلى ذلك فإن الحصول على تمويل أجنبي للكتابة عن قضايا محلية قد تكون له تبعات سلبية على الكاتب. فقد تتهمين بالعمالة أو الخيانة إذا كان الموضوع حساسا، وبالتالي تجدين نفسك مضطرة للدفاع عن تقاريرِك.

أما الجهات المحلية، فغالبا ما تتجنب دعم القضايا المثيرة للجدل. فهم لا يهتمون بالتقارير التي تنتقد أداء مؤسسات الدولة، حتى وإن كانت مبنية على شهادات المواطنين المتضررين. لذا، لم يكُن أمامي سوى تجربة التمويل الشعبي أو ما يعرف بالإنجليزية ب Crowdfunding وكنت محظوظة إذ تمكنت من تأمين المبلغ المطلوب في فترة قصيرة جداً.

تقوم فكرة "التمويل الشعبي" على جمع المال من الجمهور، وتتفاوت قيمة التبرعات من شخصٍ إلى آخر. بالنسبة لي، فإن الميزة الأساسية لهذا التمويل هو أنه يحرر الكاتب من عبء "أجندة الممول"، كما أنك تمنحين الجمهور الذي يساهم في دعمِك شعورا بأنه يشارككِ في ملكية التقرير. فبدلاً من أن يتم نشر التقرير أو الكتاب تحت شعار جهة أجنبية مع عبارة تشير إلى أن هذا الدعم هو "هدية من شعب بلادها"، يكون الكتاب الذي يتحدث عن عمّان "بدعم من الشعب الأردني" نفسه.

في الحقيقة، لم أخطط كثيراً للحملة. أمضيت بضعة دقائق فقط لكتابة ملخص الفكرة، وقمت بتصوير فيديو قصير على هاتفي النقال خاطبت من خلاله الناس لأعرّفهم عن نفسي وعن فكرتي. طلبت منهم التبرع بحوالي ٣٥٠٠ دولار أمريكي، إذ رأيت أن هذا هو المبلغ الذي أحتاجه لأتمكن من التفرغ لهذا المشروع لبضعة أشهر. كان يُفترض أن تستغرق حملة التمويل الشعبي ٤٥ يوماً، ولكنني تمكنت من جمع المبلغ المطلوب، بل وأكثر ممّا طلبت بقليل، خلال أربعة أيام فقط. أعتقد أن السبب وراء ذلك هو أنني عملت بنشاط خلال تلك الأيام الأربعة، فلقد كنت أنشر الرابط وأحدّثه عدة مرات في اليوم الواحد، وقمت بتوزيعه على كل زملائي وأصدقائي. 

لا أخفي سعادتي البالغة بأن الناس كانوا متحمسين للتبرع لمشروع صحفي ثقافي، على الرغم من الضيق المادي الذي يعاني منه كثيرون. بعض الأشخاص تبرعوا بدولارات معدودة ليقولوا "استمروا، ونحن معكم". 

لا أخفي سعادتي البالغة بأن الناس كانوا متحمسين للتبرع لمشروع صحفي ثقافي، على الرغم من الضيق المادي الذي يعاني منه كثيرون

وفي مقابل التبرعات، وعدتُ الناس بمكافآت بسيطة تقديراً لتبرعهم وتماشياً مع سياسة منصة "ذومال" التي استخدمتها. فمن تبرع بدولار واحد فقط أصبح شريكا في ملكية المشروع، ومن تبرع بعشرين دولارا على الأقل حصل على رسالة شكر خاص، ومن تبرع بأكثر من خمسين دولارا حصل على نسخة من الكتاب.

وفي مقابل التبرعات، وعدتُ الناس بمكافآت بسيطة تقديراً لتبرعهم وتماشياً مع سياسة منصة "ذومال" التي استخدمتها. فمن تبرع بدولار واحد فقط أصبح شريكا في ملكية المشروع، ومن تبرع بعشرين دولارا على الأقل حصل على رسالة شكر خاص، ومن تبرع بأكثر من خمسين دولارا حصل على نسخة من الكتاب. عندما نشرت الكتاب أوفيت بوعدي، حيث خصصت شكرا خاصا للمتبرعين في نهاية الكتاب، وطُبعت على الغلاف الخلفي عبارة "هذا الكتاب بدعم من الشعب الأردني" تعبيرا عن فخري بذلك كبديل عن التمويل الأجنبي.

شجعتني هذه الحملة على أن اقوم بحملة جديدة لتمويل العمل على كتاب جديد، وفي هذه المرة طلبت مبلغا أكبر ليشمل التمويل عملي وجهدي في البحث والمقابلات وليس فقط الكتابة. في هذه المرة نجحت أيضا في جمع مبلغ جيد ولكنني، وبعكس التجربة الأولى، تعرضت لبعض الهجوم والانتقاد. ظن البعض خطأََ أنهم يموّلون تكاليف الطباعة والنشر، وكان عليّ أن أوضح لهم أن طباعة الكتاب هي مسؤولية دار النشر التي تقوم ببيع الكتاب وتوزيعه. وقد ظن آخرون أيضا أنني أجمع التبرعات لأهل الجوفة، لذا كان عليّ أن أصحح هذه الاعتقادات الخاطئة باستمرار. أعتقد أن هذه الانتقادات كانت نابعة من أن فكرة التمويل الشعبي جديدة نسبيا للأردنيين (وقد أكون الصحفية الوحيدة في الأردن أو من القلائل جدا الذين استخدموا التمويل الشعبي لتمويل مشاريعهم)، لذا فإن الفكرة لا تزال غير واضحة بالنسبة للكثيرين.

قد يكون المبلغ الذي جمعته في الحملتين بسيطاً نسبياً، وقد يكون هذا أحد أسباب نجاحهما حملتي. لكنني أرى أن خيار التمويل الشعبي خيار جدي ويتيح لنا فرصا أكثر من خيارات التمويل التقليدية الأخرى. فلنجرّب أن نعوّل على إيمان الناس بأفكارنا مرة أخرى!

 

نصائح لينا شنك لإقامة حملة تمويل شعبي ناجحة

 

  • اختاري منصة التمويل الشعبي المناسبة مشروعك. أنا استخدمت منصة ذومال، وهي مختصة بدعم الإبداع العربي، وكانت تجربة سلسة للغاية. استخدام المنصة سهل، وفريقها متوفر على مدار الساعة للإجابة على كل الأسئلة. يمكنك أيضا استخدام منصات مثل Kickstarter ،Indiegogo ،GoFundMe وغيرها. هناك قواعد مختلفة لكل منصة تتعلق بكيفية تحصيل الأموال في نهاية الأمرـ فتأكدي من قراءتها جيداً قبل إطلاق الحملة.
  • تأكدي أن التمويل الشعبي قانوني في بلادك، فهناك بلدانا تفرض قيودا على جمع التبرعات من غير مواطنيها مثلاً.
  • اشرحي لجمهورك كيف تنوين إنفاق المبلغ الذي سيتم جمعه. فإذا كان هذا الأمر غير واضح بالنسبة لهم فإن هذا قد يسبب لك المشاكل في المستقبل، وقد يؤثر على سمعتك المهنية. لقد واجهت هذه المشكلة في حملتي إذ ظن البعض أنهم يساهمون في دفع تكاليف الطباعة والنشر، ولكن الواقع هو أنني كنت بحاجة لهذا المبلغ من أجل التفرّغ للكتابة. ولسبب ما، ظن فريق آخر من الجمهور أنني أجمع التبرعات لأهل الجوفة، لذا كان عليّ أن أصحح هذه الاعتقادات الخاطئة باستمرار.
  • يجب أن يكون لديك تصورًا واضحًا للشكل النهائي لمشروعك وأن تثبتي للجمهور أنك واثقة جداً مما تقومين به. وأعتقد أنه كان من صالحي أنني كنت قد أمضيت عدة أشهر سلفا في البحث في هذا المشروع، وكنت أحفظ القصص التي أريد كتابتها عن ظهر قلب.
  • اعتمدي في بداية الحملة على شبكة علاقاتك الشخصية والمهنية، أي الأشخاص الذين يعرفونك عن قرب ويعرفون أعمالك السابقة. هذا يمنحك دفعة معنوية، ويشجع الآخرين على المساهمة فيما بعد.

 

*الصورة: منظر للعاصمة الأردنية، عمان، من جبل الجوفة. تصوير: لينا شنك