hello world!

 

مضى أكثر من أحد عشر عاما على اليوم الذي تعرضت فيه لمياء راضي لاعتداء من قبل مجموعة من الرجال في القاهرة. ولكن من الواضح، عندما تروي تفاصيل الحادث، أن الذاكرة ليست بعيدة أبدا. صوتها لا يرتجف فقط عندما تتذكر تفاصيل الاعتداء، وإنما عندما تتحدث عن ردة فعل زملائها أيضا، والذين لم يصدقوا في البداية ما حدث.

كان ذلك في ٢٥ من مايو أيار ٢٠٠٥، والذي عرف فيما بعد ب"الأربعاء الأسود". مع أن التحرش الجنسي كان مشكلة معروفة في القاهرة آنذاك، إلا أنه لم يكن يستخدم بعد كأداة سياسية لقمع المتظاهرين أو الصحفيين. لكن لمياء، التي كانت تعمل مع وكالة الأنباء الفرنسية آنذاك، تقول إن الاعتداء التي تعرضت له في ذلك اليوم كان "عقابا" من الحكومة على الصحفيين لأنهم كانوا يحتجون على محاولات توريث الرئاسة من قبل الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك لابنه جمال.

"قاموا بتغطية وجهي، مستخدمين اللائحات التي تحمل صورة مبارك، فلم أتمكن من رؤية وجوه من قاموا بالاعتداء. ثم اعتدوا عليّ بأيديهم. لا زلت أرتجف وأشعر بالغضب كلما أتذكر ما حدث."

وتقول لمياء: "كنا مجموعة من حوالي ٣٠٠ صحفي وناشط في وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحفيين. فجأة خرجت علينا مجموعة من "بلطجية مبارك". كانوا يصرخون ويكيلون لنا الشتائم، وقد تعرفنا على بعضهم لأننا كنا نراهم في كل مكان. وكانت معهم مجموعة من النساء أيضا، وكانت وجوههم مخيفة للغاية."

صعد الرجال درجات النقابة وقاموا بعزل إحدى الناشطات واعتدوا عليها. "جردوها من ثيابها في غضون ثوان، ولم يتبق عليها سوى الملابس الداخلية."

وعزلوا لمياء أيضا…

"قاموا بتغطية وجهي، مستخدمين اللائحات التي تحمل صورة مبارك، فلم أتمكن من رؤية وجوه من قاموا بالاعتداء. ثم اعتدوا عليّ بأيديهم. لا زلت أرتجف وأشعر بالغضب كلما أتذكر ما حدث. أعتقد أن الأمر كله استغرق دقيقتين ولكنها كانت طويلة جدا. كان رجال الشرطة موجودون ولكنهم لم يفعلوا أي شيء."

هذا الحادث تمت تغطيته في وسائل الإعلام لأن لمياء أصرت على وكالة الأنباء الفرنسية أن تنشره كخبر عاجل. "عندما اتصلت بالمكتب وأخبرت إحدى زميلاتي بما حدث، قالت إنها ستذكر موضوع الاعتداء في الفقرة الأخيرة من الخبر، ولكنني أصريت على أن الاعتداء على الصحفيين هو الخبر الرئيسي، ولذا تم نشره كخبر عاجل." وتضيف: لي صديقة أخرى كانت تعمل في الأهرام وأخبرتني أنها لم تصدق الخبر في البداية إلا بعد أن قرأت اسمي. كان غريبا بالنسبة لي أن النساء لم يكن يردن أن يصدقن الخبر."

وقد تقدمت لمياء بشكوى للمدعي العام، ولكن التحقيق أقفل بعد بضعة أشهر لأنهم لم يتمكنوا من التعرف على الجناة.

الكثير من الصحفيات غير مستعدات للتحدث عن الاعتداء أو التحرش الجنسي لخوفهن من وصمة العار. فالبعض يخشين من إطلاق الأحكام أو أن يتم تحميلهن مسؤولية الاعتداء. ففي كثير من الأحيان يقع التحرش في مكان العمل من قبل الزملاء والمدراء."

في أغسطس آب ٢٠١٦، نشرت مجلة نيوزويك مقالا تناول تفاصيل مروعة للتحرش الذي تعرض له ٣٥ شخصا (٣٣ صحفية وصحفيين اثنين). الكثير منهم طلبوا عدم ذكر أسمائهم، وقالوا إنهم التزموا الصمت لفترة طويلة لأنهم كانوا يخشون من فقدان وظائفهم إذا تحدثوا عن الموضوع.

في عام ٢٠١٦ أيضا، أثارت مقدمة البرامج في قناة فوكس الأمريكية، "غريتشن كارلسون"، ضجة إعلامية عندما رفعت قضية على مديرها السابق، "روجر أيلس"، متهمة إياه بالتحرش الجنسي. وقد حصلت كارلسون على تعويض بقيمة ٢٠ مليون دولار من شبكة فوكس كما تم طرد أيلس من عمله. وقد تحدثت كارلسون بصراحة عن التحرش الجنسي الذي تعرضت له في بداية سيرتها المهنية، وتشعر أن بإمكانها الآن أن تتحدث عن ذلك لأنها أصبحت شخصية معروفة.

ومع أن العديد من الصحفيات يخشين من التحدث صراحة عن التحرش لأنهن لا يرغبن في لفت الانتباه، إلا أنهن  يتعرضن للتحرش بشكل منتظم. وتقول الصحفية الإيطالية فرانشيسكا بوري إن لديها قائمة طويلة بالمواقف التي تعرضت لها، وأن هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها عن هذا الموضوع.

وتقول: "لقد تم التحرش بي جسديا في تونس، ومرتين في غزة، ومرة في الضفة الغربية، ومرتين في لبنان، ومرة في العراق." ثم هناك الجرعة المنتظمة من التعليقات غير اللائقة والنكات التي تفتقر إلى الأدب، والتي تسمعها دائما من زملائها.

"في إحدى المرات، كنت أتجادل مع رئيس التحرير لأنني أردت السفر إلى الموصل وتغطية المعارك. كان معارضا للفكرة، وعندما أصريت على موقفي أقفل الموضوع بالقول إنه من الأفضل أن أمارس الجنس لكي أهدأ وأنسى الموضوع."

وتضيف: "اقترحت مرة أن أجري لقاء مع صحفية إيطالية معروفة عن كتاب كانت قد ألفته مؤخرا. لكن المحررين رفضوا الفكرة، قائلين إنهم يفضلون أن أركز في عملي على مقابلة الرجال بدلا من النساء. كان انطباعهم أن الرجال يتجاوبون معي جيدا وأنني أعجبهم وبالتالي فإنهم يحبون الحديث معي."

هذه المواقف شائكة لأن الكلام الذي يقال قد يكون مبهما، وبالتالي إذا اتهمت الصحفية رئيس التحرير بالتحرش فقد يرد بالقول إنها مجرد مزحة وأن على الصحفية أن تتقبلها برحابة صدر.

وتضيف فرانشيسكا: "أحد رؤساء التحرير كان يحاول دوما دعوتي لتناول العشاء معه. وهذه الدعوات حساسة إذ يصعب التمييز بين ما هو عادي ومقبول وما هو غير مقبول. في إيطاليا، قد تعني الدعوة إلى العشاء أمرا آخر."

"هل سيكون رجل كهذا سعيدا لو أن أحدا تحدث إلى ابنته بهذه الطريقة أيضا؟ في حالات كهذه أرد عليه مثلا بالقول: أنا متأكدة أن ابنتك لها أسنان جميلة أيضا! وعادة يتوقفون عن سماع ذلك."

ومع أنه لا توجد امرأة محصنة تماما من التحرش، إلا أن فرانشيسكا ترى أن الأمر أصعب بالنسبة للعازبات. "عندما كنت في علاقة لم يكن الرجال يقتربون مني لأنهم كانوا يعتبرون أنني ملك لشخص آخر. ولكن في إيطاليا بمجرد أن تصبح المرأة عزباء من جديد يشعر الجميع بأن لهم حق في أن يقولوا شيئا لها."

وتحاول فرانشيسكا قدر الإمكان أن تتجنب لفت الانتباه غير المرغوب، خاصة في الميدان، وذلك بارتداء ثياب محتشمة وتجنب الحفلات التي تقيمها الطواقم الإعلامية الأجنبية. ماريا أبي حبيب، مراسلة النيويورك تايمز، تقول أيضا إنها تعمد إلى ارتداء ملابس للجنسين (أو مايعرف بالإنجليزية ب unisex). ومع ذلك تقر بأن حتى هذه الملابس قد لا تحد من التحرش بشكل تام.

وتقول: "مهما قلنا ومهما فعلنا، فإننا لا نزال عرضة للتحرش الجنسي. وأكره أن أقول ذلك، ولكنني أرى بعض الصحفيات اللواتي يعتقدن أنهن قد يحققن تقدما في عملهن ب"إبراز بضاعتهن"، وأعتقد أن هذه الطريقة لن توصلهن إلى أي مكان وأنها ستؤثر على مصداقيتهن."

تقول ماريا إنها لم تتعرض للتحرش من قبل، إلا أن بعض الرجال حاولوا تجاوز الحد معها في بعض الأحيان.

"كنت أركب السيارة في إحدى المرات مع شخص كنت أريد إجراء لقاء معه. كان يجلس بجانب السائق بينما كنت أجلس في المقعد الخلفي. وفي اثناء الحديث قال فجأة إنه كان يتمنى أن يجلس إلى جانبي لأنه يحب النظر إلى أسناني."

تقول ماريا إنها في هذه الحالات تلجأ إلى حيلة "الابنة" أو "الأخت": "هل سيكون رجل كهذا سعيدا لو أن أحدا تحدث إلى ابنته بهذه الطريقة أيضا؟ في حالات كهذه أرد عليه مثلا بالقول: أنا متأكدة أن ابنتك لها أسنان جميلة أيضا! وعادة يتوقفون عن سماع ذلك."

وتقول ماريا إنها دائما تحمل معها غاز الفلفل أو ما يسمى بmace، وتنصح الصحفيات باقتنائه أيضا. "شكله بسيط ولا يهدد الآخرين، ويأتي أحيانا بلون كالزهري، وأعلقه في سلسلة مفاتيحي. ويمكنك بدلا من ذلك أن تحملي صافرة إنذار، فنحن نعيش في وقت صار بالإمكان فيه اتخاذ الاحتياطات اللازمة، لذا فأنا لا أذهب في أي مهمة مهما كانت صغيرة بدون أن أحمل غاز الفلفل معي."

وتقول لمياء راضي، والتي تعمل حاليا مديرة للقسم العربي لوكالة الأسوشييتد بريس في القاهرة، إن على الصحفية أن ردة فعلها الأولى على أي تعليق أو محاولة تحرش مهمة وقد تحد من التمادي أو محاولات أخرى.

"سيحاولون المتحرشون إيهامك بأنك أسأت الفهم، ولذا من الأفضل أن تكوني صارمة معهم، لا تبتسمي. حتى وإن تركت انطباعا بأنك غاضبة، من الأفضل أن تريهم أنك لست خائفة منهم."

نصائح إضافية من لمياء، فرانشيسكا، وماريا

  • تجنبي الدخول إلى مكان مغلق مع رجل آخر: تقول ماريا "إذا ذهبت إلى مكتب أحد، لا تدعيهم يغلقون الباب أو تأكدي من وجود السكرتيرة أو شخص ثالث. ولا تذهبي إلى غرفة فندق أبدا. قابليهم في بهو الفتدق إلا إذا كنت تعملين على قصة حساسة ولم يكن الشخص مرتاحا للقاء في مكان عام، عندها يجب عليك أن تصطحبي زميلا لك من العمل إلى الغرفة، وأن يكون ذلك الزميل شخصا تثقين به."

  • لا تعطيهم تفاصيل عن حياتك الخاصة ولا توافقي على كل طلبات الصداقة التي تصلك على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى. "إذا منحت الرخصة لرئيس التحرير، أو لمسؤول أو لشخص أجريت معه لقاء، لرؤية صفحاتك الاجتماعية فسيعرفون كل شيء عن حياتك الخاصة وقد يستخدمون ذلك كذريعة للتطفل." يمكنك الحد من ذلك بإضافة خاصية "المتابعة" على صفحتك بدلا من "إضافة صديق"، وبذلك تحدين من وصولهم إلى ألبوماتك الشخصية، ومن الأفضل أيضا أن تتجنبي نشر معلومات خاصة عن حياتك على تلك المواقع.

  • حاولي الفصل ما بين حياتك المهنية وحياتك الشخصية قدر الإمكان: تقول فرانشيسكا: "أنا أتجنب الحفلات والمناسبات الاجتماعية التي ينظمها المراسلون. عندما أكون في الميدان أفضل البقاء في غرفة الفندق ولا أمضي الوقت إلا مع أشخاص أعرفهم جيدا، كما أرتدي خاتم زواج حتى أترك انطباعا بأنني لست في منالهم، وإن كان ذلك الشيء لا يوقفهم دائما."

المصور: محمد عمر لوكالة EPA