hello world!

ظهرت في السنوات الأخيرة عدّة منظمات إعلامية صغيرة مستقلة تتحدّى الإعلام الحكومي. لكن تأمين استدامة هذه المؤسسات هو تحد كبير، خاصة بسبب شح الموارد المالية وتزايد الرقابة. قابلت شبكة ماري كولفن للصحفيات لينا عجيلات، وهي من مؤسسي موقع "حبر" في الأردن، وسألتها عن نصائحها لزميلاتنا الطامحات إلى تأسيس مؤسسات إعلامية خاصة بهن.

تأسست "حبر" عام ٢٠٠٧ من قبل ثلاثة أشخاص هم أنا ورمزي جورج ونسيم طراونة. كل منا كان يعمل في الإعلام آنذاك، وكنّا نكتب في مدوّناتنا الخاصة. كان التدوين في ذلك الوقت أمرا مشوّقًا ولم يكن الإعلام الإلكتروني شائعا. لذلك قررنا إنشاء "حبر" كمنصة لإعلام المواطن. كان صعباً في ذلك الوقت أن نفسّر للناس ما كنّا نريد تحقيقه. كنّا نعمل على "حبر" كمشروع جانبي وبشكل تطوعي إذ كان لكل منا وظيفة أخرى، ولم يكن المساهمون معنا آنذاك من الصحفيين المحترفين. كل من كانت لديه قصة جيدة أو مقال جيد كان مرحباً بمشاركته أو مشاركتها.

مع حلول عام ٢٠٠٩ ازداد الاهتمام في التدوين والنشر الإلكتروني، وأصبحنا نتلقى طلبات لتنظيم دورات تدريبية وورش عمل. لذلك، قررنا أن نسجّل مشروعنا كشركة، إلاّ أنّ المحامي نصحنا بالتسجيل كشركة للتدريب والتكنولوجيا لأن مبدأ الاعلام الإلكتروني  لم يكن مهموماً بشكل جيد في الأردن. وشرح لنا المحامي أنّ تسجيل المشروع كمؤسسة إعلامية أو صحفية قد يعقد عملية الترخيص. تلك الدورات التي نظمناها، والتي لا زلنا ننظمها اليوم، تساعدنا في تمويل المنصة.

أتمنى لو أننا تلقينا النصيحة منذ البداية فيما يتعلق بإدارة الأعمال، خاصة لأن الكثير من الأمور التي تعلمناها كانت عن طريق التجربة والخطأ

واصلنا النمو بثبات، ومع حلول عام ٢٠١١ (عام الربيع العربي) كنّا في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، فإذ بالعديد من المساهمات الممتازة تنهال علينا من شباب أرادوا أن يعبّروا عما يعني لهم الربيع العربي. تلقينا شهادات من المشاركين في الاحتجاجات، وكان هناك نقاش كبير حول الإصلاح السياسي وكنا نحن في قلبه، وهذا ما ساهم في توسيع عدد القراء والمحتوى وسمح لنا باستضافة العديد من الفعاليات والمناقشات.

ولكن مع نهاية عام ٢٠١١، توقف هذا الزخم بسبب المنحى الذي اتخذته الأحداث في المنطقة، عندها شعرنا بضرورة التطوّر والأخذ بزمام المبادرة لدفع الحوار حول التغيير السياسي إلى الأمام بالرغم من حالة الإحباط السائدة. وفي عام ٢٠١٢، تمكّنا من الحصول على تمويل لإنشاء فريق جدير لإنتاج محتوى صحفي متعدد الوسائط.

أول منحة حصلنا عليها كانت من مؤسسة المجتمع المفتوح، بعدها حصلنا على تمويل لسنتين من الصندوق الأوروبي للديمقراطية. كما كنا قد حصلنا على تمويل من منظمات أوروبية أخرى، ومن الداعمين الأساسيين لنا مؤسسة دعم الإعلام العالمي International Media Support ومقرها الدنمارك.

لا زلنا نعمل على تطوير نموذج لا يعتمد على التمويل الخارجي، فجزء صغير من عائداتنا يأتي من الخدمات التي نقدمها كالتدريب والإنتاج والاستشارات. نحن بالطبع جزء من النقاش العالمي الدائر حول دعم الصحافة وخلق نموذج عمل جديد، ولكننا لم نطور هذا النموذج بالكامل بعد. لا نزال نتمتع بنفس الحماس والاندفاع الذي كان لدينا، ولكننا أدركنا مع الوقت أنّه كلما كبرت المؤسسة وكلما وظفنا طاقات موهوبة جديدة، كلما أصبحت التحديات التي تواجهنا في بناء المؤسسات وإدارتها أكبر مما توقعنا.

ما يهمني شخصياً هو إنتاج صحافة موثوقة ومحترفة، ولكنكِ تجدين نفسك مضطرة للتعامل مع تحديات لا علاقة لها بالصحافة، كإعداد الهيكل التنظيمي للمؤسسة والمحاسبة والمساءلة الداخلية وكيفية المحافظة على طاقم كفؤ والعمل وفقا للقوانين. لذا، كنت أتمنى لو أننا تلقينا النصيحة منذ البداية فيما يتعلق بإدارة الأعمال، خاصة لأن الكثير من الأمور التي تعلمناها كانت عن طريق التجربة والخطأ.

لا نزال نواجه تحديًات لأننا نرفض القيام بأي رقابة ذاتية. فلو أننا بدأنا بفرض رقابة على أنفسنا لكان من الأجدر بنا أن نحزم أمتعتنا ونغادر

لا شك في أنّ أكبر التحديات التي واجهناها كانت السياق السياسي وتغّير المناخ بعد عام ٢٠١١. وعلى الرغم من أننا حققنا بعض المكاسب فيما يتعلق بحرية الصحافة، إلا أنها للأسف كانت مؤقتة. ففي عام ٢٠١٢ فرضت الحكومة الأردنية قيوداً جديدة على وسائل الإعلام الإلكترونية، وأصبح الحصول على ترخيص أمرًا إلزاميًا. بين عامي ٢٠١٣-٢٠١٤ تم حظر منصتنا من قبل الحكومة لأننا رفضنا التقدم بطلب للحصول على ترخيص، وقدمت الحكومة دعوى ضدنا بتهمة إدارة مؤسسة إعلامية غير مرخصة. ومع أننا تجاوزنا هذه المرحلة، إلا أننا لا نزال نواجه تحديًات لأننا نرفض القيام بأي رقابة ذاتية. فلو أننا بدأنا بفرض رقابة على أنفسنا لكان من الأجدر بنا أن نحزم أمتعتنا ونغادر. وعلى الرغم من كل التحديات، إنّ حبنا للصحافة يمدنا بالطاقة التي نحتاجها للمضي قدماً.

نصائح لينا للصّحفيات اللواتي يعتزمنَ إنشاء منظمات إعلامية خاصة بهن:

-       انطلقي بمشرعِك ولا تترددي!.

-       فكري جيداً في كيفية استدامة مؤسستك وتأمين اكتفائها الذاتي من الناحية المالية.

-       لو أنني أسست "حبر" الآن لكنت وضعت قائمة تدقيق أفضل بالأمور التي أحتاجها لإنشاء شركة. كنت سأفكر في كل التفاصيل البيروقراطية المملة بما في ذلك الحصول على التراخيص، وكنت سأعيّن مدقق حسابات جيد من البداية.

-       فكري في الأشخاص الذين سينضمون إلى فريقك. عندما بدأنا، قال لنا صديق حكيم أننا بحاجة إلى ثلاثة أشخاص لبدء أي منظمة إعلامية: صحفي ومدير أعمال للعمليات اليومية ورائد أعمال يبحث دائما عن أفكار مبدعة لتمويل المنظمة.

-       فلتكن لديك فكرة واضحة عن الأمور التي ستجعل منظمتك متميّزة عن باقي المنظمات.

-       إنشاء منظمة إعلامية يتطلب مهارات أكثر من مجرد خبرة جيدة في مجال الصحافة. إذا كان كل ما تريدين القيام به هو كتابة القصص، فإن إنشاء منظمة إعلامية لذلك قد يكون أمراً محبطًا.