hello world!

 

في حزيران/ يونيو 2022، أتمّت الصحفية الفلسطينية وعضوة شبكة ماري كولفن للصحفيات، مريم البرغوثي، دورة خاصة عن السلامة في مدينة بيرمينغهام في المملكة المتحدة، نظمتها شركة "كوساين" للاستشارات. غطت الدورة نصائح مهمة في تدريب وسلامة الصحفيات اللواتي يعملن في مناطق النزاع. تستعرض مريم في هذا المقال أهم الدروس المأخوذة من هذه الدورة، والتي بإمكاننا جميعًا تطبيقها في الميدان .

 

أعترف أن السبب الوحيد الذي دفعني أخيرًا للالتحاق  بدورة تدريبية في السلامة الميدانية هو مقتل زميلتنا الحبيبة ومعلمتنا، مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، التي قتلها جنود إسرائيليون في مدينة جنين بالضفة الغربية في أيار/ مايو من هذه السنة. كنت قد بدأت العمل في منصبي الجديد ككبيرة المراسلين في فلسطين لشبكة "موندوايز" الإخبارية، حين غمرني فجأة  الشعور بالقلق والخوف. كنت غاضبةً جدًا وشعرت بالخذلان  لأن سترة الصحافة لم تتمكن من حماية شخص معروف جداً مثل شيرين، تمامًا كما لم تكن قادرة على حماية ياسر مرتجى، الصحفي من غزة الذي كان يبلغ من العمر 30 عامًا عندما أصيب في البطن برصاص قناصة إسرائيليين في نيسان/أبريل عام 2018.

لو أنني كنت أعرف كيف أوقف النزيف بربط ضمادة ضغط ، لو أني كنت أعرف كيفية تنفيذ الإنعاش القلبي الرئوي

عندما بدأت الدورة، لم أكن متأكدة إن  كان هذا التدريب سيقدم لي أي معرفة إضافية في مواضيع قد أتعلمها  بنفسي، إما من خلال البحث أو من خلال خبرتي كصحفية وتغطيتي للاحتجاجات وتحمل القمع اليومي من قبل الاحتلال. لكن شكوكي تبددت في الساعات الأولى من الدورة، فحاربت التعب وإرهاق السفر لكي أتمكن من استيعاب جميع المعلومات التي تم توفيرها لي.

تدريبات التعامل مع حالات الطوارئ الطبية أعادت إلى ذاكرتي المواقف التي رأيت فيها أصدقائي وزملائي يتعرضون لإطلاق النار، وأنا في حالة تجمد أو أصرخ للمسعفين ليأتوا للمساعدة. عندما تذكرت تلك الحوادث صرت أفكر: "لو أنني كنت أعرف كيف أوقف  النزيف بربط ضمادة ضغط "لو أني كنت أعرف كيفية تنفيذ الإنعاش القلبي الرئوي". 

ما تعلمته خلال هذه الدورة لم يأت فقط من المحتوى والتصميم الفعلي للتدريب، بل أتى أيضًا من الرفاق والزملاء الذين تعرفت عليهم هناك، ممن يغطون النزاعات من السودان إلى أوكرانيا إلى العراق. تركّز التدريب على مجاليّ التدريب الطبي (الإسعافات الأولية) والتقييم الأمني. سأقدم اليكنّ بعض النقاط البارزة في الأدوات التقنية والعملية التي تعلمناها.

 

 

التدريب الطبي

عليك دائمًا تطبيق الخطوات التالية سواء كنت ستخرجين لتغطية مظاهرة في مدينتك، حيث تعرفين كل الشوارع والأزقّة، أو كنت في مهمة خارجية في موقع جديد:

1. تأكدي من معرفتك لأساسيات الإسعافات الأولية; من معرفة كيفية إنعاش القلب، إلى كيفية وقف النزيف بربط ضمادة حول جرح الذراع أو الساق، إلى ما يعرف ب"مناورة هيمليك" (ضغطات البطن) في حال الاختناق. وبما أن النزيف يعتبر خطراً شائعاً في هذا الميدان فإن القاعدة الأولى هي محاولة إيقافه على الفور من خلال الضغط على الجرح لوقف النزيف. من المفيد أن تكوني على دراية بأنواع النزيف المختلفة حتى تتمكني من تقديم معلومات سريعة للمسعفين عند وصولهم إلى مكان الحادث أو عند وصولك إلى المستشفى. 

2. كوني دائماً على كامل العلم بعناوين وأرقام هواتف أقرب المستشفيات وغرف الطوارئ. كوني على علم بأفضل الطرق المؤدية إلى هناك، بما في ذلك الطرق البديلة في حالة وجود نقاط تفتيش أو وجود مسلحين. إذا كنت جزءاً من فريق، تأكدي أن بإمكانك أن تفوّضي المهام بسرعة وفعالية. يمكنك تفويض شخص ما بتولي مسؤولية استدعاء سيارة إسعاف، بينما يقوم الآخرون بفحص الإصابات، ويقوم آخرون بإعداد الإمدادات الطبية على الفور (إذا لزم الأمر). 

3. في حال وقوع هجوم، تحققي من محيطكِ أولاً قبل تقديم المساعدة أو الإسعافات الأولية لأي شخص آخر. يجب عليك أن تجدي مكانًا آمنًا لنفسك أولاً قبل أن تقدمي المساعدة لأي شخص، سواءً تعرضت للضرب من قبل الشرطة في مظاهرة، أو وجدت نفسك عالقة في وسط قصف أو غارات جوية أو أي نوع من النيران المباشرة أو غير المباشرة.

إذا كان هناك إطلاق نيران مستمر، فاستمعي إلى نمط صوت الرصاص. هل هو مستمر (عشوائي) أم متقطع (محدد ومستهدف).  هل يبدو قريبًا؟ وما قد يعني ذلك من حيث الاتجاه الذي يجب أن تسلكيه؟ إذا كانت هناك غارات جوية، استلقي فورًا على الأرض. إذا بدا الأمر وكأنه سيستمر لفترة طويلة، قومي بحفر حفرة بينما أنت مستلقية على الأرض. 

تأكدي من إعطاء جميع المعلومات الضرورية لشخص موثوق به لتقليص احتمالات التعرض للاعتقال، أو الاختطاف، أو الإصابة، أو حتى الوفاة.

4. قومي بإجراء مسح طبي أولي سريع حالما تجدين نفسك في منطقة آمنة. المسح الأولي هو عبارة عن سلسلة فحوصات أولية تساعد في معرفة ما إذا كانت هناك إصابات مهددة للحياة. ويجب عليك إجراء تلك الفحوصات  لنفسك أولا، ومن ثم لزملائك.  اليك فيديو يشرح كيفية القيام بذلك.

 

 

تحققي من وجود أي نزيف حاد وتأكدي من أن الشخص لا يزال يتنفس. تحققي من نبضهم، وتأكدي من أن الفقرات العنقية خالية من الإصابات (لا تحركي الرقبة)، وتحققي إن كانوا مقيدين في الحركة (فمثلاً، إذا لم يتمكنوا من تحريك أطرافهم). بعد أن تسألي الشخص كل هذه الأسئلة، يمكنك الاستجابة بالشكل المطلوب والتأكد من حدوث أقل قدر ممكن من الضرر وزيادة احتمالية تعافي هذا الشخص أو إبقاءه على قيد الحياة.

تحققي دائمًا من إشارات اخرى مثل لون البشرة. إذا كان لون البشرة أزرق، فهذا يدل على أن مستويات الأكسجين منخفضة للغاية. إذا كان لون البشرة شاحبًا، فهذا مؤشر على أن الشخص قد فقد الكثير من الدماء. أفضل طريقة للتحقق من النبض (معدل ضربات القلب) هي إما عن طريق الرسغ أو عن طريق العضلة الواقعة ما بين عضلة ذات الرأسين العضدية وعضلة ثلاثية الرؤوس العضدية. المعدل المتوسط لدقات القلب ​​هو 60-100 نبضة في الدقيقة. يجب الأخذ في عين الاعتبار اندفاع الأدرينالين الذي يرفع عادةً من معدل ضربات القلب في مثل هذه المواقف. قد يكون من المفيد الحصول مسبقاً على المعلومات الطبية لأعضاء الفريق، كمعرفة متوسط ​​معدل ضربات القلب ومستويات الأكسجين وفصيلة الدم لكل منهم.

5. التعامل مع الصدمات: إذا كنت مصابةً أو كنت برفقة شخص مصاب، اكتبي على ورقة نوع الإصابة وفصيلة الدم ووقت الإصابة وأي مخاوف أخرى تتعلق بالإصابة. هذا مهم في حال أصبت بالإغماء وجاء شخص ما للمساعدة. كما ويساعد في تحديد أولويات الرعاية في حالة وجود إصابات عديدة في آن واحد، وهذا يتيح للمسعفين ما يحدث بالضبط. هذا سيساعد أيضاً في الاستجابة للوضع الطارئ بأسلوب يوفر الوقت وبكفاءة وفاعلية.

 

التقييم الأمني

تركّز التدريب في التقييم الأمني بشكل أساسي ​​على كيفية ضمان السلامة لأنفسنا وفريقنا عند القيام بمهامنا في مناطق النزاع.

1. ثقي بغرائزك: إذا شعرت أن شيئًا ما ليس على ما يرام  فحاولي أن تثقي بغريزتك وتحدثي مع زملائك للتأكد من أنك لا تتخطين حدود سلامة الجميع. 

2. تقييم المخاطر: أول شيء يجب القيام به هو تجنب أية أخطار محتملة. قبل تعيين أية مهام، يجب التحقق من آخر المستجدات في الأسابيع السابقة في تلك المنطقة ومعرفة ما إذا كانت هناك أية محاذير. لا تستهيني بهذه الخطوة حتى وإن كنت من السكان المحليين وعلى دراية بالمنطقة. 

يمكنك الحصول على مصادر جيدة للمعلومات من المنظمات غير الحكومية والسفارات وشبكات الأخبار المحلية، وابحثي عن شخص للترجمة إن لزم الأمر. هذه المعلومات ستساعدك على الاستجابة بشكل أفضل إذ ستمكنكِ من التمييز بين الأطراف المختلفة المتورطة في النزاع في تلك المنطقة، مثل الجنود أو المسلحين أو العصابات. 

تأكدي من إعطاء جميع المعلومات الضرورية لشخص موثوق به لتقليص احتمالات التعرض للاعتقال، أو الاختطاف، أو الإصابة، أو حتى الوفاة.

قومي بإبلاغ المحررين والزملاء في مكان عملكِ عن خططك للسفر، واتفقي معهم - بناءاً على طبيعة مهمتك - على طرق تحديث موقعك كل ساعتين أو على نحو ذلك، آخذة بعين الاعتبار توافر الإنترنت ومنصات التواصل.

3.  الموقع: تعرفي على الموقع بشكل جيد حتى يصبح مألوفاً لك. يجب عليك معرفة مواقع الأماكن التالية: البيوت الآمنة، والفنادق الآمنة، والمرافق الطبية، ومراكز الشرطة ، ومحطات الإطفائية ، والسفارات والبعثات الرسمية (في حال وقوع الثورات أو الهجمات أو احتمال الاعتداء على المباني الرسمية).

4. وسائل النقل (أو المواصلات): عيّني سائقاً محلياً يعرف الطرق البديلة.  تأكدي من أن لديك اتفاقية موقّعة أو متّفق عليها شفويًا في أمور مثل منح السائق نقودًا بهدف شراء الماء والوجبات الخفيفة والتي قد تكون كافية للجميع لمدة 48 ساعة على الأقل تحسبا لأمور مثل تعطّل السيارة أو  وقوع هجمات أو أي مواقف غير متوقعة. 

فبدلاً من الهروب، يمكنني – كحدّ أدنى – أن أكون مستعدة لمواجهة العنف.

تأكدي من فحص السيارة قبل دخولك فيها، وتأكدي من وجود إطارٍ احتياطي وأدوات مثل أسلاك شحن البطارية وحبل سحب السيارات (هذا مفيد أيضًا إذا اضطررت لسحب زميل مصاب). تأكدي من أن السيارة ليست لافتة للنظر، فإذا كنت في منطقة معادية للصحافة، ربما من الأفضل عدم وجود ملصقات "صحافة" على السيارة. 

إذا كنت في منطقة شديدة التوتر، فالأفضل ألّا تكوني في سيارة لونها أحمر فاقع أو ذات نوافذ مظللة لأنها قد تجذب الانتباه . لكن، إذا لم تكوني عرضة لمخاطر إضافية، فاحرصي على تركيب اشارة "PRESS" أو "صحافة" على السيارة وتأكدي من أنها واضحة للعيان. 

اتفقي مسبقاً مع سائقك على الرسوم وطريقة الدفع ومدة التعيين. لا تعطي  سائقك أوامر حول كيفية قيادة سيارته، ولكن اتفقي معه على الحد الأقصى للسرعة وأية مخاوف أخرى قد تكون لديك. إذا تم إيقافك عند نقاط تفتيش، لا تتحدثي إلا إذا طلب منك السائق ذلك. ثقي بالسائق وارفعي  أوراق الاعتماد الصحفية بيديك الاثنتين وضعيهم أمامك. من المهم أن تكون يديك ظاهرتان للعيان لتثبتي أنك لا تحملين سلاحًا.

5. الأمن الإلكتروني: تأكدي من إخلاء هاتفك من أي شيء يمكن أن يؤذيك أو يسبب الضرر لمصادرك في حال تم اختطافك أو اعتقالك. احرصي على حماية معلوماتك، ولا تشاركي أية معلومات مع أشخاص لا تثقين بهم. تأكدي من وجود أداة تعقب - من خلال الإنترنت - مثبتة على هاتفك لكي يتمكن زملاؤك من تحديد موقعك إن كنت تخشين التعرض للاختطاف. 

6. الاعتماد الأكاديمي: تأكدي من أن جميع أورق الاعتماد الصحفية بحوزتك. اتركيها مفتوحة وجاهزة للتقديم في حال طلب منك تسليمها.

 

الخلاصة

في السابق، كنت أتجنب تغطية الكثير من الأحداث بسبب ثقتي المحدودة في قدرتي على الاعتناء بنفسي وبمن حولي. ولكن منذ مقتل شيرين أبو عاقلة أدركت أنني بحاجة لمواجهة مخاوفي والعودة إلى تغطية الأحداث. إضافة لذلك، أدركت أنه بغضّ النظر عن أي شيء، فلا يوجد مفرّ  لنا من الاعتداءات والهجمات. فبدلاً من الهروب، يمكنني – كحدّ أدنى – أن أكون مستعدة لمواجهة العنف. بينما كنت أسترجع شريط ذكرياتي  أثناء التدريب، كان عليّ أن أتمالك نفسي، فالماضي رحل وهناك مستقبل يجب علينا العمل لأجله.