hello world!

عندما انضمت الصحفية المصرية هدير الحضري إلى شبكة ماري كولفن للصحفيات، كانت تمر بمرحلة صعبة أثناء عملها في الصحافة . فالموقع الذي كانت تعمل معه تم إغلاقه. وكغيرها من الصحفيات المستقلات، كانت تعاني من العزلة والتهميش وصعوبة العثور على عمل، إلى أن التحقت بورشة عمل عن الصحافة العلمية في القاهرة. كانت هذه بداية مرحلة جديدة من العمل الشاق، إلى أن تم اختيارها ضمن منحة من منظمة "كلايمت تراكر"  لتغطية مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP26.

تكتب هدير الحضري الآن لمجلة "للعلم"، النسخة العربية من موقع Scientific American، وموقع "فايس" باللغة العربي، وعدد من المواقع المصرية مثل الشروق .

 

كيف دخلتِ مجال الصحافة العلمية، ولماذا اخترتِها بالتحديد؟

بدأت العمل في الصحافة عام 2012 عندما كنت طالبة في كلية الإعلام في جامعة القاهرة. كنت أعمل في صحيفة الشروق على تغطية قضايا السياسة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، إلى أن أخذت إجازة أمومة عام 2018.

الصحافة العلمية مبنية في الأساس على تقارير وأبحاث علمية وبالتالي فإنك تقدمين للقاريء معلومات وافية في تقرير واحد.

خلال إجازة الأمومة، بدأت أفكر فيما أريد أن أفعل لأنني كنت بحاجة إلى تغيير، ولم تكن الصحافة العلمية منتشرة آنذاك. في عام 2020، أعلن معهد غوتة في القاهرة عن برنامج مكثف للصحافة العلمية وكانت بعض زميلاتي قد شاركن ببرنامج مماثل في السابق، فتقدمت بطلب وتم قبولي. كان البرنامج، الذي استمر لأسبوعين، بمثابة مقدمة للصحافة العلمية وأنتجنا خلاله بعض التقارير، بعدها قررت أن أتعمق في الموضوع.

تحمست للصحافة العلمية لأنها تقدم محتوى موثّق. فلدينا مشكلة في الصحافة في مصر لأن الكثير من الكلام يقال جزافا، و بعض المقالات تحتوي على أرقام ومعلومات مصدرها غير معروف. ولكن الصحافة العلمية مبنية في الأساس على تقارير وأبحاث علمية وبالتالي فإنك تقدمين للقاريء معلومات وافية في تقرير واحد. إضافة إلى ذلك، أردت أن أركز على موضوع تغير المناخ، وهو مجال لم يحظى بعد  بالكثير من التغطية في مصر والعمل فيه صعب وممتع في نفس الوقت.

 

طالما أن الصحافة العلمية غير شائعة في مصر، هل تجدين صعوبة في العثور على منصات لنشر تقاريرك؟

أكبر عائق بعد أن انتهيت من ورشة العمل في معهد جوتة كان العثور على منصات مهتمة بنشر هذه المقالات، ولم أعثر على خيارات كثيرة داخل مصر. أغلب المنصات إما لم تكن مهتمة، أو كانت تريد المقالات بالمجان.

كانت أمنيتي أن أنشر في مجلة "للعِلم" (وهي النسخة العربية من مجلة Scientific American) وبدأت أتواصل معهم عام 2019، وفي كل مرة كانوا يعتذرون عن قبول مقترحاتي لأن لديهم العدد الكافي من المراسلين.

في ذلك الوقت، تم قبولي في زمالة معهد ميتكالف التابع لجامعة رود أيلاند في الولايات المتحدة للصحفيين العلميين، وكان موضوعها هذا العام عن تغير المناخ، قررت القبول بأن أنشر بعض مقالاتي في منصات مصرية بدون مقابل لأنني لم أرغب في إضاعة الوقت. مرشدتي، راوية راجح، نصحتني بعدم القيام بذلك لأنه سيؤثر على صناعة الصحافة عموما وسيعتاد المحررون على أخذ المقالات التي أبذل فيها جهدا كبيرا بدون مقابل، ولكنني قلت لها إنني مضطرة للقيام بذلك الآن على أمل أن يأتي الوقت الذي أتلقى فيه عائدا ماليا على هذه المقالات. أيضاً كان هناك عائد معنوي يأتي من نشر المقالات، كما أنها ستعزز مكانتي الصحفية وستجلب لي فرص عمل أخرى.

 

بمناسبة الحديث عن برنامج الإرشاد المهني، لماذا اخترت راوية راجح تحديدا؟

أعرف عضوة أخرى في الشبكة كانت سعيدة جدا بتجربتها مع راوية راجح ولذا طلبت التعرف عليها. بالإضافة إلى كونها مرشدة، فإن راوية بمثابة صديقة لي وأنا ممتنة كثيرا لنصائحها ولأنها ساعدتني على توسيع مداركي. راوية تستمع إلي بصبر وتدرك ما أمر به وتفهم تماما شعوري ب"نشوة النشر". الحديث معها شجعني على النهوض والاستمرار وعدم فقدان الأمل لأنني عندما التقيت بها كنت أشعر بإحباط شديد ولا أعرف ما الخطوات المهنية التالية  ولكن آخر شهرين شهدا تقدما إيجابيا في مشواري الصحفي.

راوية بمثابة صديقة لي فهي تستمع إلي بصبر وتدرك ما أمر به وتفهم تماما شعوري ب"نشوة النشر".

 

تقصدين عندما قمت بتغطية مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ Cop26؟

نعم ولكن قبل ذلك تم اختياري للمشاركة في ورشة عن التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي Biodiversity and ecosystems مع مؤسسة Africa21، أنتجت خلالها تقريرا عن انقراض أسماك القرش وفزت بالمرتبة الثالثة ونشرته باللغتين العربية والإنجليزية. شعرت بأن الجائزة  بمثابة تعويض عن تعبي خلال الفترة الماضية.

في نفس الوقت، تم اختياري لزمالة مع منظمة Climate Tracker وهي مؤسسة مقرها في لندن، خضت خلالها دورات تدريبية لتغطية مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP26. كان المؤتمر في غلاسكو في اسكتلندا، وقمت بتغطيته  من منزلي في القاهرة. عندها تواصلت مع مجلة "للعلم" مرة أخرى وأخبرتهم أنني سأغطي المؤتمر وسأكون على تواصل مع المتحدثين الرئيسيين ومستعدة لكتابة تقارير لهمللمرة الأولى بعد سنتين من المحاولة، أجابوني بحماس ووافقوا وقمت بكتابة قصتين لهم. 

 

متظاهرون يحملون لافتات ومكبرات صوت في إضراب عالمي يتعلق بقضايا تغير المناخ. (المصدر: صور غيتي)

 

كيف تمكنتِ من التواصل مع المتحدثين في المؤتمر وتغطيته عن بعد؟

قرأت جدول أعمال المؤتمر وعثرت على أسماء المتحدثين وبدأت أبحث عنهم على مواقع أخرى مثل لينكدإن LinkedIn وتويتر وصفحاتهم على فيسبوك. بحثت عنهم أيضا من خلال المواقع الرسمية لأماكن عملهم، كالجامعات والشركات، وكنت أراسل الموظفين العاملين لديهم، وفوجئت أن أغلبهم، ومن بينهم مسئولين مشهورين ، قاموا بالرد وأجابوا على كافة الأسئلة التي أرسلتها  لهم.

 

ولكن ماذا بعد هذا المؤتمر؟ كيف يمكنكِ أن تبني على الإنجازات والفرص التي توفرت لك من خلال تغطيته؟

هو بالفعل كان تجربة مميزة جعلتني أتعمق وأقرأ بشكل مكثف عن قضايا المناخ. خلال الشهرين الأخيرين كنت أعمل 16 ساعة في اليوم. قرأت كثيرا وتبادرت لذهني أفكار جديدة لقصص لم تكن لتخطر على بالي من قبل. بعد المؤتمر، اقترحت بعضا من هذه القصص على مجلة "للعلم" والموقع العربي لمنصة "فايس" وتم نشر البعض منها. فبمجرد أن تبدئي باكتساب معرفة في قضايا جديدة تتولد لديك أفكار جديدة بالتتابع ولا يقل أهمية عن ذلك أيضا أن تعرفي طبيعة الأفكار التي تهم كل موقع. على سبيل المثال: اقترحتُ فكرة عن البصمة الكربونية التي تنجم عن صناعة أفلام عن البيئة لموقع "فايس" لأنها تعتبر قصة خفيفة وتهمهم، بينما اقترحت موضوعا أكثر تعقيدا عن المخاطر الصحية المرتبطة بتغير المناخ لمجلة "للعلم". 

لا زلنا نواجه صعوبة في العثور على منصات مهتمة بنشر مقالاتنا في الوقت الراهن ، خاصة في الصحافة العلمية .

من أهم ميزات العمل في الصحافة العلمية أنه يتيح لي العمل على قضية لا ترتبط تحديدا بمصر. فنحن هنا نتنافس في دائرة ضيقة من القصص المتعلقة بمصر، ولكن الصحافة العلمية ساعدتني على توسيع دائرة أفكاري.

 

ولكن فيما عدا مجلة "للعلم" و"فايس" العربية، هل ترين أن الإعلام المحلي في مصر أصبح أكثر اهتماما بالقضايا العلمية أم أن سوقك لا يزال محصورا في هذين الموقعين؟

أنا سعيدة لأنكِ استخدمت كلمة "سوق"، فبالفعل السوق المحلي لا يزال غير مهتم بالقضايا العلمية، ولكن هذا قد يتغير قريبا لأن مصر ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP27 هذا العام، ما يعني أن الإعلام المصري سيغطي هذا المؤتمر وقد ينتج عن ذلك اهتماما أكبر بقضايا العلم والمناخ.

 

هل هناك مهارات أو مواضيع عليكِ التخصص بها لتكوني صحفية علمية؟

هناك مقولة في الصحافة: "كن خبيرا في قصتك". على سبيل المثال، عندما سمعت أن سمكة قرش هاجمت سائحا في الغردقة، سألت خبراء عن السبب فقالوا لي إن سلوك أسماك القرش بدأ يتغير مؤخرا. فبدأت عملية بحث استغرقت شهرا، وتوصلت خلالها إلى معلومة بأن 71 في المئة من أسماك القرش قد انقرضت بالفعل، ومن هنا أتت فكرة العمل على تقرير عن احتمال انقراض أسماك القرش.

ربما لست خبيرة في العلوم ولكن عندما أعمل على موضوع ما فأنا بحاجة لأن أطوّر خبرة في هذا الموضوع بالتحديد لأتمكن من تلخيصه للقاريء بالشكل الصحيح.

 

هدير الحضري تتسلم جائزة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.

 

عندما انضممت إلى شبكة ماري كولفن للصحفيات، قلتِ لنا آنذاك إنك تشعرين بالتهميش والعزلة،. فإلى أي درجة تغيرت الأمور، وما هي التحديات التي تواجهكِ الآن؟

عندما طلبت الانضمام إلى الشبكة في شهر يوليو تموز 2021 كنت بالفعل أعاني من التهميش بعدما  فقدت عملي وهو مصدر رزقي الأساسي وتم إغلاق  الموقع الذي كنت أعمل معه. التحدي الأساسي لا يزال قائما، ولكن تتغير صعوبته من وقت لآخر، ولا زلنا كصحفيات مستقلات نواجه صعوبة في العثور على منصات مهتمة بنشر مقالاتنا في الوقت الراهن ، خاصة في الصحافة العلمية 

عندما انضممت إلى الشبكة كنت أبحث عن منصات لنشر مقالاتي وكنت أحاول أن أعثر على وسيلة للموازنة ما بين مسؤوليات الأمومة والإحباطات الشخصية والمهنية والرغبة في التحرك. أشعر أنني أحرزت تقدما لأنني لم أتوقف عن المحاولة. فمجرد السعي وطلب الانضمام إلى شبكة ماري كولفن للصحفيات والانضمام إلى برنامج الإرشاد المهني هو بحد ذاته محاولة للتخلص من الإحساس بالفشل.

مجرد السعي وطلب الانضمام إلى شبكة ماري كولفن للصحفيات والانضمام إلى برنامج الإرشاد المهني هو بحد ذاته محاولة للتخلص من الإحساس بالفشل.

نصائح هدير للعضوات الراغبات في الدخول إلى مجال الصحافة العلمية:

 

  • كوني خبيرة في قصتك: تحلي بالصبر في البحث عن المعلومات والدراسات المتعلقة بقصتك لتكوني خبيرة فيها. يجب أن تكوني على دراية بما يكفي من المعلومات لتتمكني من كتابة قصة جيدة وشيقة في أقل عدد ممكن من الكلمات.

  • اجعلي الناس محوراً رئيسياً في قصتك: من تجربتي القصيرة في الصحافة العلمية، كان التحدي الأول هو صياغة معلومات علمية معقدة بأسلوب سلس، ووجدت أن القصص تصبح مميزة حين تُظهر كيف يمكن أن ينعكس الموضوع الذي نناقشه على حياة الناس اليومية وأمنهم وغذائهم ومستقبلهم.

  • لا تيأسي من أفكارك: حاولي أن تصنّفي مقترحاتك بحيث ترسلين لكل منصة ما يناسبها من أفكار، ولا تيأسي إذا رُفضت أفكارك، بل حاولي صياغتها بزاوية جديدة أو إرسالها إلى منصات أخرى. من المهم أيضاً إجراء بحث أولي كافٍ قبل عرض فكرتك على المحرر ليقتنع بأنك واثقة منها وتستحقين فرصة العمل عليها.

  • دوني أفكاركِ لكي لا تنسيها: ستخطر الأفكار في رأسك بشكل عابر، خاصة أثناء عملك على قصة أخرى، ومن الأفضل أن تكتبيها في مفكرتك، أو في ملف على "جوجل درايف" مثلا لتعودي إليها عندما يحين الوقت للعمل على قصة جديدة.