غادة الشيخ صحفية أردنية تعمل مع صحيفة الغد، تكتب لموقع رصيف22 ولها جمهور واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
أكتب لرصيف22 عن مختلف القضايا السياسية والاجتماعية في الأردن، ولم تكن هذه المرة الأولى التي أكتب فيها مقالا يثير انتقادات القراء لسبب أو لآخر، ولكن هذه كانت المرة الأولى التي تلقيت فيها تهديدات غير مباشرة بالقتل و شعرت بالخوف إلى درجة أنني طلبت من رصيف22 أن يحذفوا المقال من الموقع وهم تفهّموا ذلك واستجابوا لطلبي.
اتهمني كثيرون بأنني أروّج للمثلية في الأردن. أنا متأكدة أن 90% من هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء قراءة المقال بأكمله.
في شهر يونيو حزيران، وبعد أيام من انتحار الناشطة الحقوقية والكويرية سارة حجازي، رسم ناشطون لوحة جدارية (غرافيتي) على أحد المباني في عمّان لصورة سارة مع عبارة "لكنّي سأسامح"، وهي العبارة التي كتبتها في رسالة الوداع. فما كان من أمانة عمّان إلا أن أزالتها، وكان الحدثين موضوعا نقاش موسع على وسائل التواصل الاجتماعي. اقترحت على موقع رصيف22 كتابة تقرير عن ذلك ووافقوا، فأجريت مقابلة مع إحدى الناشطات المثليات التي شاركت في رسم اللوحة، وقابلت أيضا شابا ينتمي إلى مجموعة تُسمّى "مجتمع الميم في الأردن"، تحدثنا خلالها عن مجتمع المثليين وعن تجربته الشخصية والتحديات التي تواجههم في الأردن. كانت مقابلة مثيرة للاهتمام تحدث خلالها عن أمور كثيرة أرغب في الكتابة عنها فيما بعد، ولكن هذا الأمر مؤجل حاليا.
عندما نُشر المقال، فوجئت بسيل من التغريدات والرسائل التي تهاجمني وتهاجم الموقع. اتهمني كثيرون بأنني أروّج للمثلية في الأردن، وادعى البعض أنني مثلية والحقيقة ليست كذلك. أنا متأكدة أن 90% من هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء قراءة المقال بأكمله، لأنهم لو قرؤوه بتمعن لأدركوا أنني لم أكن أحاول إثارة الجدل عن عمد. نعم أنا جريئة في اختياري للمواضيع وأريد كسر المحرمات، ولكن ليس لمقاهرة الجمهور أو الصدام معه. وصدقا أرى أن ردود الأفعال على هذا المقال كان مبالغا بها إلى حد كبير.
ولكن عندما وصلتني رسائل تهديد مبطنة وغير مباشرة بالقتل، طلبت من رصيف22 حجب المقال وهم تفهموا ذلك ونشروا بيانا للإعراب عن تضامنهم معي. ولكن ذلك لم يكن كافيا لوقف الهجمات. فقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي أيضا بحملة #بلوك_رصيف22 لأربعة أو خمسة أيام دون توقف، واستمرت التغريدات ضدي. كان المغردون ينعتونني بألفاظ نابية ويهددون بإيذائي.
بعد أيام من الهجوم المتواصل، نشرت تغريدة بأنني سألجأ إلى القانون إذا لم يتوقفوا. وفي اللحظة التي نشرت فيها التغريدة توقفت الهجمات فورا.
في تلك الفترة احتجبت عن الظهور، امتنعت عن نشر أي تغريدات على تويتر، بل واضطررت إلى التظاهر بأنني مرتبطة مع شاب لكي لا يقولوا إنني مثلية. لم أكن أغادر منزلي إلا للذهاب إلى المكتب. كنت أرتدي القناع طيلة الوقت وأتلفت من حولي كلما خرجت من السيارة.
مع أنني لم أعتبر التهديدات أكثر من مجرد تعبير فارغ عن الغضب، إلا أن أصدقاء لي حذّروني من أن الموضوع هو أكثر جدية من ذلك، مذكّرين بأن هذا هو ما حدث ما ناهض حتر، الكاتب الأردني الذي اغتيل في سبتمبر أيلول 2016 لأنه أعاد نشر رسم كاريكاتور اعتبر مسيئا للذات الإلهية على صفحته الخاصة على فيسبوك.
عندها قررت الحصول على استشارة قانونية، وقال لي محامِِ إن التغريدات المسيئة لي على وسائل التواصل الاجتماعي تعد خرقا للمادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية، لأنها تعد ذما وقدحا وعقوبتها هي الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة تتراوح بين مئة و ألفي دينار أردني.
كان من الصعب عليّ، كصحفية وناشطة أردنية، أن ألجأ إلى هذه المادة. فلطالما كنت في طليعة المنتقدين لها لأنها مبهمة الصياغة وتستخدمها السلطات الأردنية ذريعة لاعتقال الناشطين وتكميم أفواه المدافعين عن حقوق التعبير والإنسان. ومع ذلك، لم يكن أمامي خيار آخر لحماية نفسي. بعد أيام من الهجوم المتواصل عليّ وعلى موقع رصيف22، نشرت تغريدة أعلنت فيها أن لديّ نسخا من كل رسائل التهديد والتنمير التي وصلتني وأنني سألجأ إلى القانون إذا لم يتوقفوا. وفي اللحظة التي نشرت فيها التغريدة توقفت الهجمات فورا، وعمد أغلب المهاجمين إلى حذف تغريداتهم فورا.
لن أغيّر شيئا في كتاباتي ولن أمارس الرقابة الذاتية على نفسي.
أنا صحفية منذ أكثر من اثني عشر عاما، وأكثر ما يحزنني هو أن أغلب المنتقدين كانوا من أهم المتابعين والمؤيدين لي خلال مشواري المهني. كانوا يرسلون لي أفكارا لمقالات ويتابعون كتاباتي باهتمام، ولكنهم انقلبوا ضدي فجأة بعد نشر هذا المقال، وها هم الآن يعودون لمتابعتي وتأييدي وكأن شيئا لم يكن. أحد المهاجمين كان مصدرا موثوقا لي، وعندما انتهت الحملة ضدي كتبت له مباشرة وواجهته بما فعل، ولكنه لم يجب حتى الآن.
لقد أخلصت لعملي إلى حد أثر على حياتي الشخصية وبدأت أتساءل حول جدوى ما أفعله. لم أعد أنشط على موقع تويتر كسابق عهدي ولكن من يتابعونني بصدق يعرفون أنني لا أزال في الساحة وأتابع القضايا التي أؤمن بها كإضراب المعلمين الذين عادوا للميدان بعد أن تقاعست الحكومة عن تنفيذ ما تعهدت به لهم العام الماضي. ولكنني لست بحاجة لأن أثبت أي شيء لأي أحد ولذا لم أعد أغرد بنفس الوتيرة.
لو هناك نصيحة أسديها لعضوات الشبكة بناء على تجربتي فهي أن يدركن أنه من الصعب تجنب مواقف كهذه إذا اخترن الكتابة عن قضايا حساسة أو مثيرة للجدل، ولكن أهم شيء التأكد من وجود غطاء قانوني لكل مقال يكتبنه. أنا كنت أعرف أن مقالي عن جدارية سارة حجازي لم يخرق القانون بأي شكل. لن أغيّر شيئا في كتاباتي ولن أمارس الرقابة الذاتية على نفسي. ومع كل ذلك، لا أزال أطالب بحذف المادة ١١ من قانون الجرائم الإلكترونية.
سامية الأغبري صحفية ومحررة مع صحيفة الثورة اليمنية. أصلها من تعز وتعيش حاليا في القاهرة
تختلف الحركات السياسية في اليمن بكل شيء الا في اساليب وطرق استهداف المرأة، فعندما تكتب امرأة رأيا لا يروق لهم، لا يتم مناقشة الفكرة كما يفعلون غالبا عندما يكون كاتب الرأي رجلا. بدلا من مناقشة فكر المرأة ورأيها، يلوحون تهما أخلاقية ويشهرون بها ويألبون المجتمع ضدها.
يركزون على حياتها الخاصة ويصفونها أوصافا بذيئة لإيذائها وإضعافها وإسكاتها. فأنا مثلا وصفت ب "العاهرة الباحثة عن المتعة" و"العانس" و "العجوز الشمطاء" وأني "ارتاد البارات وبيوت الدعارة".
وُصفت ب "العاهرة الباحثة عن المتعة" و"العانس" و "العجوز الشمطاء" وأني "ارتاد البارات وبيوت الدعارة".
في العام 2006 كنت في بداية حياتي المهنية، كتبت عمود رأي لموقع الوحدوي نت عن ترشح علي صالح للرئاسة بعد أن كان قد وعد بعدم ترشحه لولاية إضافية. انتقدت الرئيس ووصفت ما حدث بأنه "مسرحية"، وذكرت أيضا الضغوطات والتهديدات التي مارسها الحزب الحاكم على المدنيين ليخرجوا إلى الشارع ويهتفوا تأييدا لعلي صالح. فقامت صحيفة الدستور (المحسوبة على نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح) بنشر رسالة مباشرة لي، وكانت سيئة للغاية. قالوا إنني لا أصلح للكتابة في السياسة بل عن العطور والطعام، وادعوا بأنني على علاقات لا أخلاقية مع شباب. كان من الممكن لهذا المقال أن يدمر أي صحفية اخرى، ولكن والدي وقف إلى جانبي وحثني على رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة. أذكر أن والدي قال لي وقتها "إياك أن تنكسري، لأنك إذا انكسرت الآن، لن تستطيعي النهوض بعد ذلك". انتهت هذه القضية لصالحي، إذ حُكم على الصحيفة بدفع غرامة ونشر اعتذار على صفحاتها.
في عام 2011، قام نظام صالح بجولة جديدة من التشهير بالصحفيات والناشطات المعارضات لنظامه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كنت من بين المستهدفات إذ قامت حسابات مختلف على فيسبوك منها الحقيقية ومنها المستعارة، بنشر صورة شخصية لي مع عبارات مسيئة مثل "العاهرة"، "العجوز الشمطاء"، "تبحث عن زوج" وغيرها.
قال لي والدي "إياك أن تنكسري، لأنك إذا انكسرت الآن، لن تستطيعي النهوض بعد ذلك".
بعد رحيل نظام علي صالح عقب الثورة، وفي عام 2013، ألقيت كلمة في مدينة دمت بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال جار الله عمر، الأمين المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، وانتقدت فيها جماعة الإخوان المسلمين. فقام أحد الناشطين في التجمع اليمني للإصلاح، والمرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، برفع دعوى قضائية ضدي بتهمة "السب والسخرية بالدين". توقفت هذه القضية بسبب اندلاع الحرب في اليمن، ولكن الحملات ضدي استمرت على مواقع التواصل الاجتماعي، فكانوا يعلقون على لبسي وشكلي وحالتي الاجتماعية. في تلك الفترة تلقيت أيضا تهديدات بالقتل من أطراف مجهولة، ولذا لم أكن أخرج من البيت إلأ وأنا مرتدية النقاب.
في 2014 جاء دور جماعة الحوثيين وأنصارهم للتشهير بي بسبب انتقاداتي لهم، ولم تختلف المصطلحات والعبارات في هذه الحملة عن سابقاتها. وللأسف في جميع الحالات شاركت صحفيات وناشطات في هذه الحملات ضدي وضد زميلات أخريات. بالنسبة لهن، فإن التعصب الحزبي والانحياز للجماعة كان أهم من التضامن مع زميلاتهن.
في أغلب الوقت، أتمالك نفسي وأرفض التفاعل مع هذه الحملات. وللأسف لا توجد قوانين تنظم وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في اليمن ولا توجد دولة أو قضاء ألجأ إليه، كما فعلت في عام 2007 مع صحيفة الدستور. كان من السهل أن أنكسر وأنا في بداية مشواري الصحفي لولا الدعم الذي تلقيته من والدي ومن العديد من الزملاء والأصدقاء الذين ساندوني في مواجهة كل هذا التنمر. وهذه هي نصيحتي لأي صحفية تتعرض للتنمر: واجهي هذه الحملات بثقة ولا تجعليها تكسرك.