hello world!

 

نستكمل في الجزء الثاني تجارب عضواتنا مع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية التي تماطل أو تتملص من دفع الأجور، والثمن الذي تكبدنه بسبب ذلك.

 

رحمة ضياء

كل وسائل الإعلام، المحلية والأجنبية، التي تعاملت معها كصحفية حرة تتأخر بالدفع، من شهر أو شهرين على الأقل إلى عام كامل. ولكننا في أغلب الوقت مضطرون لقبول هذا الوضع لقلة الفرص. 

في إحدى المرّات، تلقيت مستحقاتي، التي لم تتجاوز 75 دولارا، من منصة عربية شهيرة بعد عام كامل من الملاحقة. كنت قد كتبت لهم موادا بعد أن اتفقنا مسبقا على تسعيرة ثابتة. ولكنهم فجأة، ودون إنذار مسبق، قرروا أنهم سيدفعون مرة واحدة بعد نشر 5 مقالات. لم يكن لدي علم مسبق بذلك. هذا يعني أن عليّ الانتظار إلى أن ينشروا خمسا من مقالاتي، وهذا قد يستغرق عدة أشهر خاصة لأنه يتم أحيانا رفض بعض مقترحاتي. عندما اعترضت قالوا لي أنهم سيدفعون مقابل مقال أو مقالين إذا كان هذا آخر تعامل معهم. فقررت عندها أن أتوقف عن التعامل معهم. طالبت بمستحقاتي بناء على ذلك، لكنهم لم يدفعوا إلا بعد عام كامل. 

نحن نعاني من الثقافة السائدة بأن الحديث عن  المال هو "عيب" ، وأنكِ لو سألتِ فأنتِ "مادية"

في بعض الأحيان، كنت أشعر بالحرج عند السؤال عن المبلغ، لأكتشف بعد ذلك أن المبلغ قليل جدا. لذا أدركت أن علي أن أسأل عن شروط الدفع قبل التعامل لأني أعتمد على الصحافة كمصدر دخل. نحن نعاني من الثقافة السائدة بأن الحديث عن  المال هو "عيب" ، وأنكِ لو سألتِ فأنتِ "مادية"، ولكن هذا حق لنا مقابل مجهودنا وليس منّة من أحد. 

تجربتي مع الإعلام الأجنبي أفضل نوعا ما، لأنهم يدفعون ضمن نظام محدد، وهو بعد تسلّم الفاتورة بشهر تقريبا. لكنني أواجه مشكلة النسخة العربية من موقع أجنبي، إذ أنهم يتأخرون في الدفع شهرين أو ثلاثة. فاضطر للاتصال مع المسؤول المالي بين الحين والآخر للاستفسار، وكثيرا ما أسمع أن  هناك مشكلة في التحويلات أو أن الدفع سيتم في "أقرب فرصة"، ولكنني اضطر لمعاودة الاتصال من جديد.

في إحدى المرات، اتفقت مع موقع على إعداد تقرير مطوّل وتقرير مصوّر، وكنت قد استعنت بمونتير لإتمام الصور، وقد كلفني ذلك حوالي 800 جنيه (خمسين دولارا). دفعت له لأنني كنت أتوقع أن يعوضني الموقع عن ذلك بعد النشر. لكن بعد ارسال المواد، تأخروا كثيرا في النشر. وعندما راجعتهم كانت إجاباتهم مبهمة. ماطلوا في الأمر ولم يحددوا موعدا للنشر . اضطررت في النهاية للبحث عن منصة أخرى لنشر التقرير وقد نجحت في ذلك لكنني للأسف لم أتمكن من نشر التقرير المصوّر.

 

سناء كمال

أنا أعمل كصحفية منذ 17 عاما. في بداية مشواري المهني عملت حوالي العامين كمتدربة بدون مقابل، وكنت في حينها راضية لأني أردت أن اكتسب خبرة وأبني سمعة. بعد عامين، بدأت أتقاضى أجرا زهيدا وهو مئة شاقل بالشهر (28  دولارا). لكن في عام 2008، وأثناء الحرب على قطاع غزة، عملت مع وكالة محلية بدون مقابل واستمر هذا الوضع حتى 2011. كنت أخجل من المطالبة بالأجر، متمنية أن يبادروا هم بالدفع دون أن أطلب ذلك. بعد ذلك بدأت بالعمل مع صحيفة الأخبار اللبنانية ولأول مرة بدأت اتقاضى أجرا جيدا بدون الحاجة للملاحقة. عملت معهم لمدة 5 سنوات، وبعدها بدأت العمل كصحفية حرة، كمترجمة ومنسقة طواقم إعلامية (فكسر)  مع وكالات أجنبية.

اكتشفت بالصدفة أن الأجر اليومي الذي تدفعه الوكالات لذلك الصحفي الوسيط مقابل عملي هو 400 دولار، وكانت هذه صدمة بالنسبة لي لأنني لم أكن أتقاضى أكثر من 28 دولار

أثناء  الحرب في عام 2012، بدأت العمل كمراسلة عن طريق ما يعرف بالوسيط، أي أن يقوم  صحفي آخر بتوكيلي بالعمل مع وسائل إعلام إذا كان هو مشغولا ولا يمكنه العمل معهم. كنت أتقاضى 100 شاقل فقط في اليوم الواحد، وكنت أعمل في الميدان مع الطواقم الأجنبية لمدة 12 ساعة متواصلة وفي ظروف في غاية الخطورة. لم يوفر لي أولئك الصحفيون أي معدات وقاية، وبصراحة لا أعرف ماذا كان سيحصل لي لو أنني أصبت بجراح مرافقتي لهم، فهل كانوا سيوفرون لي العلاج أو التعويض؟ أستبعد ذلك لأنه لم يكن هناك أي تأمين. هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هي القناة الوحيدة التي أرسلت لي عقدا يضمن تغطية العلاج في حال تعرضت للأذى.

ولكن في إحدى المرات اكتشفت بالصدفة أن الأجر اليومي الذي تدفعه الوكالات لذلك الصحفي الوسيط مقابل عملي هو 400 دولار، وكانت هذه صدمة بالنسبة لي لأنني لم أكن أتقاضى أكثر من 28 دولار.

أذكر أيضا أن صحفيا من صحيفة أمريكية مرموقة طلب مني تغطية مسيرة العودة في ذكرى النكبة على الشريط الحدودي في قطاع غزة عام 2017. كان ذلك بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن القدس عاصمة إسرائيل. وفعلا ذهبت إلى هناك وأجريت مقابلات وقمت بتغطية الحدث وكتابة التقرير ولم أفكر في الحديث حول المقابل لأني ظننت أنه مفهوم ضمنا. ولكن عندما أرسلت التقرير وسألت عن المبلغ  قال لي: "اعتقدت أنه سيكون بدون مقابل كتجربة وقد ندفع لك بعد ذلك". استشرت رئيسة التحرير في شبكة ماري كولفن للصحفيات في الأمر ونصحتني بعدم النزول إلى الميدان وتعريض حياتي للخطر إذا كان الأمر دون مقابل. فكتبت لذلك الصحفي وأخبرته أنني مستعدة لتغطية المظاهرات لهم شرط أن يدفعوا لي، ولم أتلق منه أي رد.

 

مي الشامي

بعد أن تخرجت من كلية الصحافة، بدأت التدريب في صحيفة مصرية لستة أشهر بدون أي مقابل. بعد انتهاء مدة التدريب عملت لشهرين إضافيين بدون راتب أيضا، ومن بعدها تقاضيت أول راتب لي. كان ذلك عام 2013 وكان المبلغ 390 جنيه مصري (24 دولار) شهريا مقابل العمل 10 ساعات يوميا. لم يكن هذا المبلغ يكفي لأي شيء، وبعد إلحاح شديد حصلت أخيرا على زيادة بسيطة ولكن التجربة أشعرتني بذل شديد.

خصموا من مرتبي "للتأديب”، إذ أخبرني قسم المحاسبة أن المؤسسة غير راضية عن آراء عبّرت عنها من خلال حساباتي الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي

كان العمل شاقا، إذ كان مطلوبا منا كتابة 11 مادة يوميا، ما بين تقارير مكتوبة وفيديو وترجمة أخبار عالمية، وكتابة صفحة الأبراج (نعم، كانت صفحة الأبراج ضمن مهامي الصحفية). كنت أبقى في المكتب حتى ساعات متأخرة للانتهاء من هذه المواد، وإذا لم أتمكن من تسليم 11 مادة في نهاية كل يوم، كانوا يخصمون من راتبي. 

ولكن في السنوات الأخيرة، خصموا من مرتبي أيضا "للتأديب”، إذ أخبرني قسم المحاسبة أن المؤسسة غير راضية عن آراء عبّرت عنها من خلال حساباتي الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. في إحدى المرات، فوجئت بهم يخصمون 1250 جنيه مصري من مرتبي الذي لم يكن يتعدى 1700 جنيه. وعندما راجعتهم في الأمر، أخبرني رئيس التحرير إن السبب هو انتقادي لأحد كبار الصحفيين على حسابي الشخصي على فيسبوك. في النهاية، غادرت الصحيفة عام 2018.

عندما انتقلت للعمل كصحفية حرة، طلبت مني قناة عربية معروفة، عبر مكتبها في القاهرة، أن أعدّ بعض التقارير المصورة، واتفقنا مسبقا على الأجر. قمت بناء على ذلك باستئجار معدّات وإعداد التقارير. وعندما طالبت بالدفع، رفضت المنتجة التي تعمل في مكتب القاهرة ذلك، مدعية أن المواد التي قدمتها غير مناسبة لهم ولن يقوموا باستخدامها. لكن ما ذنبي أنا؟ لقد نفذت العمل كما اتفقنا والمواد التي سلمتها هي مجهودي وتعبي ويحق لي أن اتقاضى أجرا عليها، بغض النظر إذا تم استخدامها أم لا. 

لم أعاود المحاولة لأنني أشعر أخجل من الحديث عن المال، فالملاحقة تشعرني بأنني أتسول، وأنا أفضل السكوت على الشعور بالمذلة.