hello world!

 

في الجزء الرابع والأخير من هذه السلسلة الخاصة عن الصحة النفسية، يقول الدكتور خالد ناصر إن الشعور بالضيق لدى الصحيفات الناتج عن خيبة الأمل من تحقيق التغيير في حياة الناس هو طبيعي، والحل يمكن في تقبله ومن ثم البحث عن حلول للتخفيف منه

 

نورا صحفية شابة، عادت  إلى منزلها غاضبة وقلقة ومحبطة. فقد كانت تحاول الحصول على موافقة لإجراء مقابلة مع أحد الوزراء في حكومة بلادها، لكن طلبها رُفض مرة أخرى. وفي نفس الوقت، هناك أخبار عن اعتقال المزيد من الصحفيين، ما أدى إلى زيادة التوتر في مكان عملها. 

في تلك الأثناء، أخذت المظاهرات في لبنان منحى عنيفا، إذ تعرض متظاهرون للضرب، وبعضهم في حالة حرجة. تتساءل نورا غاضبة: "ما الهدف من جهودي كلها؟ ومن تعريض حياتي للخطر؟ " "لا جدوى من هذه المنطقة البائسة".

يشعر الصحفيون بإحباطٍ ويأس لأنهم عاجزين عن إحداث تغيير حقيقي.

منذ عام 2011، تحوّل "الربيع العربي" تدريجيا إلى "شتاء عربي". بعد عقود من الفساد والقمع، جاء عام 2011 وهو يحمل معه أنباء الخلاص. للمرة الأولى، تخلص الناس من الخوف، فاحتجوا وغنّوا وبدأوا بتنظيم أنفسهم من أجل التغيير. ولكن للأسف، فإن الدول التي شهدت تغييرا للأنظمة عادت واحدة تلو الأخرى ببطء إلى الوراء، فاستسلم بعضها إلى الفوضى، بينما عادت دول أخرى إلى سيطرة النظام القمعي أو إلى الحرب. 

هناك شعور عام بالضيق في المنطقة. وهو في الواقع يشبه حالة من الاكتئاب الجماعي. لكن الصحفيين والصحفيات، الذين يعتبرون أنفسهم عملاء للتغيير، هم أكثر عرضة لهذا الضيق، ويميل العديد منهم إلى دفن هذه المشاعر، بما يؤدي إلى الإرهاق الوظيفي. يشعر الصحفيون بإحباطٍ ويأس لأنهم عاجزين عن إحداث تغيير حقيقي.

ألقي نظرة على الأعراض التالية، وافحصي ما إذا كنت أنتِ وزميلاتك تعانين منها:

  • الشعور بالضعف: إذ تشعرين كأنك عالقة في رمال متحركة.

  • توقعات قاتمة للمستقبل: تشعرين أنه لا يوجد حل لمشاكل العالم العربي.

  • فقدان البوصلة: تشعرين أنك لا تعرفين جدوى ما تقومين به، أو لماذا اخترت الصحافة في المقام الأول.

  • تشعرين أن العالم بأكمله خطر، وأنك فقدت الشعور بالأمان كصحفية.

قد تفكرين بترك وظيفتك، ولكن هذا ليس هو الحل الأمثل، لأنه قد يؤدي لاحقًا إلى المزيد من مشاعر الفشل

فلماذا يعكس الصحفيون خيبات الأمل السياسية على عملهم، بينما لا يحصل ذلك مع أصحاب الاختصاصات الأخرى، كالمهندسين المعماريين أو المصرفيين مثلا؟ السبب بسيط جدا. غالبًا ما تجذب الصحافة كمهنة الأفراد الذين يسعون لإحداث تغيير وتطوير في المجتمع. فالنساء أمثالكن اخترن أن يصبحن صحفيات لأنكن تبنّيتن مطالب المتظاهرين والمتظاهرات من أجل قيادة عادلة وحياة كريمة. ولهذا، عندما تفشل الاحتجاجات، تشعرن أنتن بالفشل أيضا.

قد تفكرين بترك وظيفتك، ولكن هذا ليس هو الحل الأمثل، لأنه قد يؤدي لاحقًا إلى المزيد من مشاعر الفشل. عوضا عن ذلك، حاولي السعي إلى إحداث تغيير على المستوى الإدراكي.

  • انظري إلى الوضع الحالي على أنه مرحلة: ليس ممتعا الشعور بأننا نعيش في القاع. ولكن تذكري دائمًا أن للتاريخ دورات، وأنه بعد كل انحدار يأتي صعود. قد نشهد هذا الصعود في حياتنا، وقد لا نشهده، ولكنه قادم. طريقة التفكير هذه قد تساعدكِ على الاستمرار.

  • توقفي عن العيش في الماضي وتقبلي شعورك بالألم: بعد التعرض لأزمة، يتم التكيف مع تبعاتها على ثلاثة مراحل: الإنكار، ثم القبول، وأخيرا الحلول. من الطبيعي جدًا، عندما نواجه أمرًا لا نحبه، أن ننكره بوعي أو بغير وعي. ولكن واقع الأمر هو أن الكارثة قد حلّت، ونحن بحاجة إلى قبول انفعالاتنا السلبية تجاهها للانتقال إلى المرحلة الأخيرة، وهي الحلول.

حاولي تخفيض توقعات التغيير الذي تريدين تحقيقه. فبدلاً من تغيير تاريخ المنطقة، اسعي لتغييرٍ لصالح شخصٍ واحد، أو مساعدة مؤسسة واحدة،

  • القبول لا يعني الموافقة على الإخفاقات السياسية: القبول هنا هو حالة ذهنية نتوقف فيها عن إنكار مشاعرنا ونتقبل الألم الذي نشعر به. هذا يسمح لنا بالمضي قدمًا وإيجاد حلول بناءة لمستقبلٍ أفضل. فالإنكار العاطفي يمكن أن يستمر مدى الحياة، ما لم نحاول التغلب عليه.

  • المشاركة والتواصل: شاركي مشاعرك مع الأشخاص الذين تثقين بهم. إذا لزم الأمر، اختاري أحد المقربين/ات وأخبريه/ا بما تشعرين. دائما ما يُنصح بالتواصل الاجتماعي باعتباره مضادًا للاكتئاب.

  • حددي أهداف قليلة لتشهدي تغييرا أكبر: أكرر هذه النقطة من مقالتي السابقة حول تجنب لوم الذات. حاولي تخفيض توقعات التغيير الذي تريدين تحقيقه. فبدلاً من تغيير تاريخ المنطقة، اسعي لتغييرٍ لصالح شخصٍ واحد، أو مساعدة مؤسسة واحدة، مدركة بأن هذا التغيير الصغير أيضا قد لا يحصل بعد مقالٍ واحد فقط، ولكن ربما على مدى حياتك المهنية بأكملها.

  • ابحثي عن المتعة في مقالات وتقارير إنسانية صغيرة. قابلي أناسًا جدد. تعمقي في تجاربهم واستمعي إلى ما يقولونه لك. جدي متعة في الكتابة والفيديو والتصوير الفوتوغرافي. تعاملي مع كل كلمة وكل صورة على أنها عمل فني. استمتعي بقوة سرد القصص. قد يمنحك ذلك اهتمامًا وسرورًا جديدين في عملك.

 

الصورة: صحفية وولد يحتمون من الحجارة في ميدان التحرير، مصر، كانون أول/ديسمبر 2011. تصوير: اليسدير هيكسون