في الجزء الثاني من سلسلتنا عن الصحة النفسية والعاطفية، يشرح الدكتور خالد ناصر كيف يمكن أن تفضي التوقعات غير الواقعية إلى شعور الصحفيين بالعجز عندما لا يفضي عملهم إلى إحداث تغيير. وليس السبب وراء ذلك توقعات الصحفيين من أنفسهم فحسب، وإنما توقعات بعض الفئات المهمشة في المجتمع والتي قد ترى الصحفيين أحيانا على أنهم منقذين.
أغلب الصحفيات في منطقتنا يهدفن من خلال عملهن إلى إصلاح المشاكل والتصدي للظلم في مجتمعاتهن. يحاولن تغيير المجتمع نحو الأفضل من خلال توعية القراء بالمعلومات والدفع لإصلاح المؤسسات العامة. وهكذا تتطور لديهن النظرة الذاتية بأنهن "المرأة الخارقة". ولكن للأسف، لا تصمد هذه النظرة المثالية أمام الواقع اليومي المؤلم في مجتمعات لا يحصل بها التغيير المرجو. وبالتالي، تشعر الصحفيات بخيبة الأمل والإحباط والعجز. ويلقين باللائمة على أنفسهن، معتبرات أنهن لم يعملن ما فيه الكفاية!
التوقعات "المثالية" و "الرومانسية" بأن الصحافة يمكنها، بل ويجب عليها، أن تغير العالم تشكل عبئاً نفسياً كبيراً على الصحفيات اللواتي يعملن في منطقتنا المثقلة بالصراعات والتي غالبا ما ترفض الإصلاحات الاجتماعية والسياسية
الصحفيات العاملات في الميدان يتواصلن بشكل دائم مع الشرائح المهمشة في المجتمع، من أسر فقيرة إلى أفراد بحاجة للمساعدة. وقد يرى أولئك الناس الصحفية كالمنقذ الذي سينقل أصواتهم إلى العالم بأسره، على أمل التخفيف من معاناتهم. لكن الواقع هو أن نشر القصص والتقارير نادرا ما يفضي إلى النتيجة المرجوة. عندما تصطدم الصحفيات في أول مشوارهن الصحفي بهذه الحقيقة فإنهن غالبا ما يشعرن بالذنب والإحباط. وقد تلوم الصحفيات أنفسهن، معتبرات أنهن خذلن الأشخاص الذين وثقوا بهن لحل مشاكلهم.
هذه أمثلة للأزمات العاطفية الداخلية التي تواجهها الصحفيات الشابات. فالتوقعات "المثالية" و "الرومانسية" بأن الصحافة يمكنها، بل ويجب عليها، أن تغير العالم تشكل عبئاً نفسياً كبيراً على الصحفيات اللواتي يعملن في منطقتنا المثقلة بالصراعات والتي غالبا ما ترفض الإصلاحات الاجتماعية والسياسية.
إذن كيف يمكننا تجنب أو تخفيف هذه المشاعر والحالات الذهنية السلبية؟ هناك مثل إفريقي يقول: "إذا كنت ترغب في تحريك الجبال غدا، عليك أن تبدأ بحمل الحجارة اليوم".
أولاً، أنصح الصحفيات بوضع أهدافٍ واقعية وقابلة للقياس. كل مجتمع أو بلد له "تاريخ كبير" خاص به، وهو الذي نقرأ عنه في التحاليل السياسية وكتب التاريخ. وكثيرًا ما يرى الصحفيون في منطقتنا التغيير الاجتماعي من هذا المنظور، معتبرين أن التغيير يجب أن يكون في أنظمة الحكم والقوى السياسية والاقتصادية. ولكن هناك أيضًا "التاريخ الصغير" الذي يتعلق بالحياة الشخصية لفردٍ أو عائلةٍ أو مجموعةٍ ما في هذا المجتمع. وأرى أنه يجب على الصحفيات اللواتي يغطين القضايا الاجتماعية أن ينظرن الى مهمتهن من هذا المنظور، أي أنهن يعالجن قضايا فردية وليس قضايا اجتماعية واقتصادية كبيرة. عليهن وضع توقعات في إطار خدمة التاريخ الصغير للأفراد حتى تكون أهدافهن قابلة للتحقيق.
ثانياً، توقعي أن يكون تحقيق الهدف على مدار الحياة المهنية أو فترة زمنية طويلة، وليس مع كل تحقيق أو تقرير صحفي. فعلى مدار مشوارك المهني، قد تتمكنين من التأثير على حياة شخص واحد، أو أسرة واحدة، أو قضية فساد واحدة. قد يتمكن تحقيق واحد من تسليط الضوء على ظلم معين ورفعه. أيٍ من هذه التغييرات على "التاريخ الصغير" هي إنجاز رائع في حياة الصحفية ولها أن تكون راضية وفخورة بإنجازها.
على مدار مشوارك المهني، قد تتمكنين من التأثير على حياة شخص واحد، أو أسرة واحدة، أو قضية فساد واحدة. أي من هذه التغييرات على "التاريخ الصغير" هي إنجاز رائع في حياة الصحفية ولها أن تكون راضية وفخورة بإنجازها
ثالثًا، تحتاج الصحفيات إلى التعامل مع تأثير عملهن من منطلق "النتيجة التراكمية للآثار الصغيرة". فعندما ننتج تقارير أو نلتقط الصور لا يكون الهدف بالضرورة إحداث تغيير الآن. لكننا نأمل أن نكون جزءًا من "حملة معلوماتية" أكبر يشارك فيها مجتمع أوسع من الصحفيين والمصورين ووسائل الإعلام لتوعية الجمهور حول قضية معينة. ونأمل أن تؤدي مشاركتنا في هذه الحملة إلى أداء دور في تحفيز المجتمع على الدفع باتجاه إحداث تغيير.
ولذا، أنصح العضوات في شبكة ماري كولفن للصحفيات بالتالي:
أ- أن يقدّرن دورهن في نشر المعلومات، فنشر الحقائق يسبق التغيير!
ب- أن يقدّرن الطبيعة التعاونية لعملهن، فتوعية المجتمع تتطلب جهد العديد من الصحفيين.
ج- أن يسعين لتحقيق مكاسب على المدى الطويل بدلا من المدى القصير. فالتغيير المنشود لا يقاس بعدد "الإعجابات" “Likes” على وسائل التواصل الاجتماعي. التغيير يتطلب وقتا.
وأخيرا، فإن الصدق مع الناس هو أفضل نهج. عندما يلجأ الناس إليك طلبا للمساعدة، كوني صادقة معهم لكي تكون توقعاتهم معقولة. عندما تجرين مقابلات مع الناس، تأكدي أنهم يستوعبون حدود قدراتك كي لا تكون هناك خيبة أمل.
قد يبقى الصحفيون أحيانا على اتصال بالأشخاص الذين قابلوهم لمتابعة مستجدات ظروفهم والاطمئنان عليهم. التواصل بعد نشر التقرير قد يكون جيدا إلى حين. عندما تكون الصحفية مستمعة جيدة لهؤلاء الناس، فإنها لا توفر الدعم العاطفي لهم فحسب، ولكنها بذلك تتغلب على لوم الذات أو الشعور بالعجز عندما لا ينتج عن تقريرها الأثر المرجو.