hello world!

كالعديد من عضواتنا، شهدت الصحفية المصورة سيما دياب العديد من المآسي التي تركت آثارها عليها. السعي لموازنة العمل مع مهامها الأسرية، ووتيرة حياتها السريعة، لا تترك مساحة للتعامل مع الصدمات. ولكنها بدأت مؤخرا بالتعامل مع صحتها النفسية بجدية. ولذا، عندما تم تكليفها بتغطية نزاع جديد، وافقت على الحصول على استشارة نفسية كإجراء وقائي لمنع المزيد من الصدمات. 

 

إن الصدمة النفسية التي أعاني منها، كما هو الحال مع معظمنا، متعددة الطبقات وقد تراكمت على مدى سنوات طويلة قمت خلالها بمهام في العراق والأردن ولبنان.

قد تعتبر تغطية قصص الألم والفقدان والدمار والنجاة في منطقتنا تجربة مميزة. ولكنها بثمن شخصي، وهذا الثمن غالبا ما يكون مختبئا ونادرا ما يتم الإقرار به. لذا، عندما عرضت عليّ شبكة ماري كولفن للصحفيات تمويل جلسات علاج نفسي قبيل الذهاب لمهمة في منطقة نزاع، وافقت عليها كإجراء وقائي للحيلولة دون وقوع صدمة جديدة تستدعي علاجا أكبر.

إن حياتي مليئة بالمشاغل والضغوطات. والموازنة بين طبيعة عملي كصحفية مصورة مستقلة، ودعم مصورات ومصورين آخرين، وبناء شبكة من المصوّرين وتأسيس أرشيف بصري لموقع "مدى مصر"، وتربية طفلين لوحدي، كلها أمور تترك لي القليل من الوقت للتأمل الذاتي. لهذا، رحبت جدا بفكرة الجلسات العلاجية وخاصة أنها متاحة عبر الإنترنت ومرنة من ناحية المواعيد، ولأن المعالج الذي كنت سأتحدث معه متفهم لطبيعة عملي ومتطلباته، كما أنه خبير في مجال علاج الصدمات النفسية. حقيقة أنه يفهم طبيعة تعقيدات ومتطلبات عملي جعل مشاركتي في هذه الجلسات وما تتطلبه من جهد ذاتي أمرا ممكنا، لا يثقل على التزاماتي اليومية.

إن الصدمة النفسية التي أعاني منها، كما هو الحال مع معظمنا، متعددة الطبقات وقد تراكمت على مدى سنوات طويلة قمت خلالها بمهام في العراق والأردن ولبنان. يضاف إلى ذلك طبيعة الحياة اليومية وعملي في مصر، حيث مستوى الضغط والتوتر عالٍ أصلا. ببساطة لا أملك الخيار بترك العمل عندما تسوء الأمور، إضافة إلى أن التحولات السريعة في عملي تفرض عليّ مواصلة مهامي، ما يعني أنني اضطر إلى كبت الصدمات بدلا من تفكيكها والتعاطي معها.

 الإجهاد هو وحش قاس في مهنتنا هذه، وقد ينال من أفضل الصحفيين/ات بيننا.

ولكنني بالطبع أواجه هذه الأمور أحيانا بشكل جزئي، عندما أتحدث مع صديقة مثلا وأشاركها بعض القصص. لكن فرصة الجلوس والنظر مليا في دوافعي وتجاربي مع معالج خبير كانت تجربة لا تقدر بثمن.  

أنا عملية في هذه الأمور، وأدرك جيدا أن بعد فترة وجيزة من العلاج هناك أمور قد لا يتم حلها. ولكن هذه الجلسات منحتني الكثير من الأدوات التي تساعدني في الانتباه إلى أنماط معينة في تصرفاتي والتعامل بوعي ولين أكثر.

الإجهاد هو وحش قاس في مهنتنا هذه، وقد ينال من أفضل الصحفيين/ات بيننا. التنقل بين مهمة وأخرى، ومحاولة الحفاظ على المستوى ذاته من الطاقة والتركيز هو أمر صعب للغاية، خاصة إذا أردنا الحفاظ على شيء من التوازن في حياتنا. واحدة من الأدوات التي اكتسبتها خلال الجلسات هي تقسيم يومي إلى ثلاثة أجزاء. الجزء الأول هو بضع ساعات من العمل المركّز، وبدون انقطاع، ينتهي بعدها هذا الجزء ولا يتسرب منه شيء لبقية النهار. في الجزء الثاني من النهار أقوم بتسيير بعض المهام اليومية والتي يجب أن تكون أهدافها واضحة (من السهل الحديث عن ذلك لكن من الصعب تنفيذه في مدينة مثل القاهرة، لكنني أحاول). أما الجزء الثالث فهو بدون أهداف أو غاية محددة، أسعى خلاله للاستمتاع والاعتناء بنفسي، أو لقاء الأصدقاء وقضاء وقت ممتع مع أطفالي.

لقد ساعدتني جلسات العلاج بالبحث المتعمق في تاريخي الشخصي، عملية مؤلمة لكنها مكافِئة.

سواء كنت أطهو الطعام، أو أنام أو أشاهد فيلما، فإنني أحاول أن أولي هذه الأمور نفس العناية والاهتمام الذي أوليه لمهامي الصحفية. حتى لو لم يكن لدي مهمة عمل، فإن تقسيم يومي إلى ثلاثة أجزاء أصبح أداة لا تقدر بثمن لتحقيق التوازن في وقتي.

لقد ساعدتني جلسات العلاج بالبحث المتعمق في تاريخي الشخصي، عملية مؤلمة لكنها مكافِئة. لقد نظرت في الأمور التي تحفزني وأدركت أن لدي نزعة للتشتت في عدة اتجاهات. التوتر وصل الآن إلى مرحلة متوازنة، والتعامل معه من خلال التقنيات التي تعلمتها خلال الجلسات ساعدني حتما على التركيز، والعثور على الطاقة والمتعة في عملي. 

أهم الأدوات التي تساعدني في التعامل مع الضغط وتخفيف التوتر:

  • قسمي اليوم إلى ثلاثة أجزاء: كما ذكرت سابقا، الجزء الأول من يومي هو للعمل، والجزء الثاني للمهام البيتية أو مهام لا تتعلق بالعمل، والجزء الثالث للاسترخاء والقيام بفعاليات ممتعة. أهم شيء أن يتم الفصل التام بين هذه الأجزاء.

  •  حافظي على الروتين اليومي، حتى لو كنت في مهمة صحفية: في حالتي، يبدأ روتيني اليومي بتناول فنجانين من القهوة كل صباح، وأنا حريصة جدا على الحفاظ على هذه العادة. فإذا كان لدي اجتماع عمل في الثامنة صباحا، فإنني أخصص ساعتين قبله لكي أحتسي قهوتي وأستجمع أفكاري. وإذا كنت في مهمة صحفية بعيدا عن البيت، فإنني أحاول دائما أن أحافظ على هذا الروتين. لدي روتين آخر هو السباحة ثلاثة مرات في الأسبوع. وأحاول أن أحافظ عليه قدر الإمكان. كما أقوم عادة بالمشي لمسافة طويلة من بيتي إلى المسبح وأستغل هذا الوقت للتأمل في مجريات يومي.

بعد القيام بمهمة صحفية مرهقة، أقوم بمهمات خفيفة نسبيا

  • بعد القيام بمهمة صحفية مرهقة، أقوم بمهمات خفيفة نسبيا: لقد تطلب الأمر بعض الوقت لأتقبل ذلك: أي أنه ليس من الضروري أن تكون كل مهمة صحفية صعبة أو متعلقة بالنزاعات. الآن عندما أعود من منطقة نزاع، فإنني أعمل على قصص غير مرهقة نفسيا كمشاريع صغيرة مع منظمات غير حكومية. قد تكون هذه القصص جدية ومهمة ولكنها لا تستنزفني نفسيا أو عاطفيا كقصص مناطق النزاع.

  • تمارين تربطك باللحظة الراهنة: هذه تمارين بسيطة للغاية وتساعدك على أن تكوني حاضرة في اللحظة الراهنة. مثلا، أن تركّزي على الإحساس بالأرض تحت أقدامك، أو الانتباه إلى أحاسيس معيّنة في جسدك، التنفس العميق، الإحساس بأشعة الشمس على جلدك أو الإصغاء بعناية إلى الأصوات من حولك. هذه اللحظات الصغيرة تساعدك بالشعور أنك تعيشين داخل جسدك وليس خارجه.

 

الصورة: سيما، الثانية من اليمين تتحدث عن الصحافة البصرية وتحديات تغطية مجتمعك في مركز "دارت"، كولومبيا للصحافة خلال ندوة حول "تغطية الأطفال وأزمة اللاجئين السوريين" في عمّان، الأردن. يناير/كانون الثاني 2019. المصدر: مركز دارت للصحافة والصدمات.