hello world!

حرية الحصول على المعلومات مكفولة في تشريعات 123 دولة، ست منها فقط هي دول عربية. مع أنه يمكن للصحفيين أن يطالبوا حكوماتهم بمعلومات، إلا أن الدولة قد تتذرع بأن المعلومات "سرية" أو "تهدد الأمن القومي". اثنتان من عضواتنا تشرحان كيف أصبح العثور على مصادر بشرية في أروقة الوزارات، والمستعدة للمخاطرة في سبيل كشف الحقيقة، السبيل الرئيسي للحصول على المعلومة.

دينا سالم (سوريا)

سأتحدث هنا عن الوضع الذي كان سائدا قبل السنوات الثمان الماضية التي عشنا فيها ويلات الحرب، والتي غابت خلالها قضايا الناس عن الإعلام السوري.

أما أنا فقد اضطررت إلى الكذب مرة للحصول على معلومة.

على الرغم من أحقية الإعلامي بالحصول على المعلومة وفق الدستور وقانون الاعلام السوري، إلا أن هذا غير معمول به. نص قانون الإعلام صريح بأن على مؤسسات الدولة "تسهيل مهمة الإعلامي في الدخول إليها والحصول على المعلومات"، ولكن القانون يعطي رئيس مجلس الوزراء الحق في تحديد أنواع المعلومات التي يمكن حجبها عن الصحفيين، ما ينسف القانون من أساسه. وكثيراً ما صدرت قرارات من رئيس مجلس الوزراء بمنع نشر معلومات "كي لا يتم استغلالها من قبل الجهات المعادية ".

في ذلك الوقت، كنت أعمل في مؤسسة إعلامية رسمية ناطقة باسم الحكومة، ولهذا كنت أحصل على المعلومات بشكل أسهل... لأن الدوائر الحكومية كانت تدرك أنني لا أستطيع نشر ما هو سلبي منها. فالوزراء كانوا يحددون المعلومات التي لا يمكننا نشرها، وكنا نخضع للرقابة باستمرار. وكثيراً ما رأيت خلال عملي النقيضين ما بين الأرقام الحقيقية وما ننشره. فالأرقام المعلنة كانت تدل على نسب نمو جيدة مثلا، بينما كانت الوثائق التي أطلع عليها تدحض هذه الأرقام. في ظل هذه الظروف، كل منا كان يحاول الحصول على المعلومة باستخدام علاقاته الشخصية. الصحفيون في الإعلام الخاص والأجنبي كانوا يستخدمون اتصالاتهم الخاصة أيضا، ولكنهم أحيانا كانوا يستخدمون  الهدايا و الرشاوي أيضا للحصول على معلومات من جهات أمنية.

أما أنا فقد اضطررت إلى الكذب مرة للحصول على معلومة. كان ذلك عندما كلفني رئيس التحرير بإعداد تقرير عن التلوث البيئي الذي وصل في بعض المناطق إلى مستويات خطرة. كان ذلك بناء على توصية من لجنة إعلامية أرادت تحسين صورة سوريا فيما يتعلق بملف الحريات العامة، فسُمح لنا بنشر تقارير تنتقد أداء الحكومة في بعض الأمور.

كنت أعرف أن وزارة البيئة أعدت دراسة حول ذلك الموضوع، وحاولت مرات عدة الحصول على الدراسة دون جدوى. فتوجهت إلى مدير مكتب الوزير وقلت له كذبا أنني أملك بيانات حول نسب التلوث وأنني سأنشرها كما هي إذا لم أحصل على الدراسة. قلت له أيضا أنني سأذكر في التقرير أن الوزارة رفضت منحي المعلومات. في اليوم التالي، أعطاني الدراسة كاملة.

ومع أن هذا التقرير أُعدّ بإذن مسبق من رئيس التحرير، وبتوصية اللجنة التي دفعت باتجاه نشر تقارير تنتقد الحكومة، إلا أنه لم يتم نشره في النهاية بحجة أنه سيثير الرعب بين المواطنين. فتوجهت به إلى مجلة شهرية وافقت على نشره، ولاقى التقرير صدى جيدا، إلا أن شيئاً لم يتغير. 

من خلال تعاملنا مع الموظفين في الوزارات، نستشف أحيانا أن بعضهم غير راض عن سير العمل وعن إخفاء الحقائق لما فيه من ضرر للبلد ولتمادي الفساد.

نصائح دينا للحصول على المعلومات التي تحجبها أجهزة الدولة:

  • بناء شبكة علاقات شخصية والبحث عن المصادر المستعدة لتسريب المعلومات. من خلال تعاملنا مع الموظفين في الوزارات، نستشف أحيانا أن بعضهم غير راض عن سير العمل وعن إخفاء الحقائق لما فيه من ضرر للبلد ولتمادي الفساد. وكثيراً ما حصلت من هؤلاء على معلومات وتمكنت من نشرها في وكالة أنباء أجنبية كنت أعمل معها إضافة إلى عملي.

  • السرية وحماية المصدر. في إحدى المرات، كنت في مكتب أحد المدراء، ووجدت على مكتبه كتابا من وزارة الاقتصاد يحث خطباء المساجد على مناشدة التجار لتخفيض الأسعار. عندما طلبت منه نسخة لأنشرها في وكالة الأنباء الأجنبية، رفض بشدة ولم يوافق إلا بعد أن أقنعته بأنني سأخفي كل المعلومات في الوثيقة التي تشير أنه هو المصدر. ولكن في أحيان كثيرة كنت أحصل على معلومات دقيقة ولكن لم أكن أنشرها خوفا على المصادر ولكي أحميهم من تهم الخيانة. في عام 2010 مثلا، حصلت في إحدى الاجتماعات على وثيقة مررها لي أحد المدراء من تحت الطاولة تشير إلى أن نسبة النمو الاقتصادي في سوريا كانت أقل بكثير مما كان يعلنه رئيس مجلس الوزراء في الاجتماع نفسه. ولكني بالطبع لم أستطع نشرها.

 

حنان خندقجي (الأردن)

كان الأردن من أوائل الدول العربية التي صادقت على قانون ضمان حق الحصول على المعلومات  وذلك في عام 2007. لكن القانون إلى اليوم لا يزال حبرا على ورق.  

بحسب القانون، فإن على الوزارة أو المؤسسة الحكومية أن تجيب على طلب الصحفي خلال ثلاثين يوما. وإذا رفضت منحه المعلومات فبإمكانه التقدم بدعوى قضائية في محكمة العدل العليا ضد هذه الوزارة. لكنني لم أفكر أبدا بأن ألجأ إلى المحكمة لأن الإجراءات تأخذ وقتا طويلا ونحن الصحفيون لا نملك هذا الوقت.

أذكر أنه خلال عملي في شبكة الإعلام المجتمعي في عمان قدمت أكثر من خمس طلبات لوزارات مختلفة للحصول على معلومات رسمية، ورُفضت هذه الطلبات لأن المعلومات التي طلبتها "سرية". في عام 2011  مثلا، طلبت من وزارة التنمية الاجتماعية إحصاءات عن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية في الأردن، وقيل لي إن الأرقام غير متاحة، بمعنى أنها "سرية". وطبعا سُئلت عن سبب طلبي لهذه الإحصاءات وكيف سأقوم بتوظيفها في التحقيق الذي كنت أعمل عليه.

الكثير من المعلومات قد تكون متاحة ولكن في مكان آخر

لكنني، وبعد أن فشلت في الحصول على هذه الأرقام من وزارة التنمية الاجتماعية، توجهت إلى دائرة الإحصاءات العامة ووجدت ذات الإحصاءات هناك.وهذه نقطة قد يغفل عنها  الكثير من الصحفيين بأن الكثير من المعلومات قد تكون متاحة ولكن في مكان آخر. يمكنكن الاطلاع على التحقيق هنا ، والذي كشفت فيه عن الاعتداءات على ذوي الإعاقة في دور الرعاية في الأردن.

أرى أن المشكلة الأكبر التي نواجهها في الحصول على المعلومة تكمن في عقلية الموظفين الحكوميين. فهم يعتبرون المعلومات والأرقام التي بحوزتهم ملكا للوزارة فقط، ويخشون من أن إعطاءها للصحفيين قد تسبب لهم المشاكل. هناك أيضا موظفون لا يعلمون أي شيء عن قانون ضمان حق الحصول على المعلومات في مؤسساتهم، فيفضلون إحالة الصحفي إلى المدير بدلا من التعامل مع الطلب بأنفسهم، ما يعطل عملنا لأشهر أحيانا.

البديل الأساسي في هذه الحالة هو العثور على المصادر داخل الوزارة، من موظفين يريدون الكشف عن الفساد في دائرتهم. على سبيل المثال، حصلت مؤخرا على ما يزيد عن ستين وثيقة رسمية وتقارير مالية غير منشورة تثبت وجود فساد  مالي وإداري داخل إحدى المؤسسات الحكومية في الأردن. هذه المعلومات أتت من موظف رفيع المستوى داخل هذه المؤسسة، والذي سرّب لي الوثائق بعد أن شعر بأنه يتعرض للكثير من الظلم وعدم المساواة داخل المؤسسة. وصلت إلى ذلك الموظف عن طريق صديق يعمل في نفس المؤسسة، ولكن كسب ثقة ذلك المصدر تطلب متابعة وزيارات مستمرة على مدى أربعة أشهر.

كيف قمت ببناء الثقة معه؟ زودته بروابط إلكترونية لأعمالي الصحفية، وكنت دائمة التواصل معه مما أشعره باهتمامي الكبير بالموضوع. كما أن المؤسسة التي كنت أعمل معها آنذاك كانت معروفة لأنها تنشر تحقيقات هامة، مما ساعده على تكوين فكرة عن طبيعة عملنا الصحفي وطمأنه بأننا لن نسيء استخدام المعلومات التي سيزودنا بها.

الصحفي الكسول والذي لا يحبذ القراءة يضيع فرصة ذهبية للحصول على قصص ومعلومات رسمية

نصائح حنان للحصول على المعلومات التي تحجبها أجهزة الدولة:

  • شبكات التواصل الاجتماعي قد تكون مصدرا.. للعثور على المزيد من المصادر. نعم، هناك الكثير من المعلومات المغلوطة وغير الموثقة على هذه المواقع، لكنها يمكن أن تكون أيضا طرف الخيط لأن البعض يكشفون أحيانا عن معلومات هناك. أذكر أن مصدرا كتب منشورا على موقع فيسبوك عن فسادٍ في الشركة التي كان يعمل بها، وأغلب الظن أنه كتب المنشور دون استخدام هويته الحقيقية (أي من حساب باسم مستعار). ما يهمنا هنا هو الحصول على خيوط ، ومن بعدها نتحقق من المعلومات. في عام 2016 مثلا، نشر أحد المواطنين صورة على فيسبوك لمنتج ألبان كان قد اشتراه من إحدى المحلات، والذي كتب عليه تاريخ الإنتاج في اليوم التالي من يوم الشراء. تواصلت مع الشخص واستفسرت عن المحل وذهبت إليه بنفسي، وفعلا وجدت أن منتجات الألبان هناك كانت بتواريخ إنتاج مزورة. ذهبنا بعدها إلى معمل الألبان ووجدنا أنه لا يغش التواريخ فحسب، وإنما يخالف أيضا القوانين الصحية والبيئية، وقمنا بنشر التحقيق.
  • حافظي على علاقات مع مصادر خاصة في المؤسسات الحكومية وابني الثقة معهم، فهم بمثابة الجنود المجهولين، ورأس مال الصحفي.  ويمكن الحصول على معلومات منهم بطرق غير مباشرة أو رسمية.
  • ابحثي عن المعلومات في مكان آخر، وبلا كسل! لدينا في الأردن ما يسمى بديوان المحاسبة، وهو مكلف برصد حسابات المؤسسات التابعة للدولة. وينشر هذا الديوان تقريرا سنويا، قد يتجاوز أحيانا ألفي صفحة، ويحتوي على كل الإحصاءات التي يرصدها. وهو فعلا كم هائل من المعلومات، لكن الكثير الصحفيين لا يدركون ذلك. مثلا، ورد في أحد تقاريره قبل عامين أن هناك تجاوزات مالية في أحد الهيئات الحكومية بمبالغ كبيرة، وهذا ما دفعني للعمل على تحقيق لم أنتهِ منه بعد. الصحفي الكسول والذي لا يحبذ القراءة يضيع فرصة ذهبية للحصول على قصص ومعلومات رسمية.