لقد أصبحت صور الأقمار الصناعية من أهم عناصر التحقيقات الاستقصائية. لكن على الرغم من أن لدى الصحفيين المستقلين أدوات أكثر من أي وقت مضى لاستخدام صور القمر الصناعي، إلا أنها تبقى أداة تقنية مكمّلة، كما استخلصت الزميلة أمنية الدسوقي، عضوة شبكة ماري كولفن للصحفيات، خلال مشاركتها في منتدى أريج السنوي لعام ٢٠١٨.
بينما لا يزال من الصعب رصد البشر الذين يتم الاتجار بهم أو تهريبهم عبر الحدود، إلا أنه يمكننا رصد حركة السفن والمركبات التي يتم استخدامها للتهريب.
منذ مشاركتي في الورشة حول استخدام صور الأقمار الصناعية في التحقيقات الاستقصائية، بدأت باستخدام محرك "غوغل إيرث" للتجسس على خندق مريانا، في الجزء الغربي من المحيط الهادئ، والمعروف بأنه أعمق نقطة في الأرض. ولكن اهتمامي الأساسي كصحفية مستقلة في صور الأقمار الصناعية يكمن في الحاجة لاستكشاف المصادر المختلفة التي يمكنني استخدامها في تحقيقي الصحفي حول أماكن لا يمكنني السفر إليها، إما بسبب التكلفة أو ظروف الأمن والسلامة.
كان عنوان الورشة التي حضرتها خلال منتدى أريج "الجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والأسلوب التقليدي للتغطية في تحقيقات الأمن العالمي". وقدمّها كل من جوش ماير، كبير المراسلين الاستقصائيين في "بوليتيكو" وجيف شتاين، مؤسس الشركة التكنولوجية ماكروسكوب في كاليفورنيا، والتي توفر خدمات للصحفيين الاستقصائيين.
يتم التقاط صور الأقمار الصناعية من خلال استخدام الضوء الذي تعكسه الأرض، ويتم بعدها رَقمَنة (التحويل الرقمي) المعلومات وتحويلها إلى صور. يوصف البعض تصوير القمر الصناعي بأنه "أعيننا في السماء".
لا تزال هناك محدودية لهذه التقنية، خاصة عندما نتحدث عن دقة الصورة. وبالتالي، بينما لا يزال من الصعب رصد البشر الذين يتم الاتجار بهم أو تهريبهم عبر الحدود، إلا أنه يمكننا رصد حركة السفن والمركبات التي يتم استخدامها للتهريب.
عندما حقّقت منظمة هيومن رايتس واتش في قضية اضطهاد أقلية الروهينجيا المسلمة من قبل حكومة بورما اعتمدت أيضا على صور الأقمار الصناعية
اطلعنا خلال الورشة على مثالين لقصص لم يكن سردها ممكنا بدون صور القمر الصناعي، مثل تقرير جوش ماير في بوليتيكو بعنوان "السر وراء ترك أوباما حزب الله بدون عقاب". كان ذلك تحقيقا حول قيام إدارة أوباما بعرقلة الحملة القانونية ضد حزب الله لضمان التوصل للاتفاق النووي مع إيران. يوفر التقرير تفاصيل وافية حول القضية، لكن ما هو لافت بالنسبة لنا هو كيفية استخدام صور القمر الصناعي في غرب أفريقيا لتوثيق نشاط حزب الله في تجارة السيارات والتي كانت الواجهة لتبييض الأموال.
وعندما حقّقت منظمة هيومن رايتس واتش في قضية اضطهاد أقلية الروهينجيا المسلمة من قبل حكومة بورما اعتمدت أيضا على صور الأقمار الصناعية، والتي كشفت عن حرائق منتشرة في قرى الروهينجيا. وقد صرّحت المنظمة أن الصور تدل على أن حجم دمار هذه القرى هو أكبر من المتوقع. وقد استطاعوا أيضا التحقق من تدمير ٤٣٠ منزلا في ثلاثة تواريخ مختلفة من عام ٢٠١٦.
وفي نيسان ٢٠١٨، أعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بأنهم أغاروا على ثلاثة منشآت سورية ب ١٠٥ صواريخ، كردة فعل على أنباء عن بقصف كيماوي على دوما. قامت في حينه الحكومة السورية بإنكار أي أضرار في هذه المواقع جراء القصف، بينما أثبتت صور القمر الصناعي عكس ذلك. وقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية بنشر صور "قبل وبعد" لإثبات ذلك. لكن بدلا من نشر هذه الصور كما هي، قررت بعض وسائل الإعلام مثل السي إن إن إجراء المزيد من التحقق عن طريق شركات خارجية مثل ديجيتال غلوب وبلانيت. وقد أوضحت الصور أضرار جسيمة في منشأتين تم قصفهما على يومين مختلفين. أما بالنسبة للموقع الثالث فقد أوضحت الصورة التي تم إنتاجها من قبل موقع بلانيت أن الصواريخ دمرت مركز البزرة للبحوث العملية في دمشق بالكامل.
مزايا استخدام صور الأقمار الصناعية
كيف يمكننا التأكيد من دقة الصور أو مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي؟
التحقق من المعلومات: كيف يمكننا التأكيد من دقة الصور أو مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي؟ في عام ٢٠١٨، انتشر بشكل كبير فيديو مروّع، يوثق قتل جنود أفارقة امرأتين وطفلين بعد اتهامهم بالانتماء للحركة المسلّحة بوكو حرام. وقد تم ذلك في قرية نائية يمكن أن تكون في أي مكان في منطقة "الساحل الإفريقي" الواسعة. قال العديد من مشاهدي الفيديو أنه حصل في مالي، ولكن تحقيق البي بي سي الذي استخدم صور القمر الصناعي بيّن أن الحادثة حصلت في الحقيقة في الكاميرون. وقد تتبّع التحقيق في البداية تضاريس السلسلة الجبلية التي ظهرت في خلفية الفيديو ومن ثم تمكنّوا من التحقيق من البيوت التي ظهرت في الفيديو وإيجاد الموقع الدقيق لعملية القتل.
السرد القصصي المرئي: إذا كنت تكتبين تحقيقا طويلا، يمكنك استخدام صور الأقمار الصناعية، حيثما أمكن، لمساعدة القرّاء في تصور الموضوع. كما ويمكن لهذه الصور أن تكون الإثباتات المرئية على ما تقولينه في التقرير، وهذا يعزز مصداقية تقريرك.
محدودية صور الأقمار الصناعية
لا تزال دقة الصورة هي التحدي الأكبر. غالبا ما نعتمد كصحفيين مستقلين على التطبيقات المجانية مثل غوغل إيرث، حيث هناك مشكلة في دقة الصور. حتى لو استخدمنا تطبيقات أكثر تعقيدا مثل ديجيتال-غلوب، فإن دقة الصور لا تزال محدودة. يمكننا الكشف عن حركة أشخاص لكن لا يمكننا تكبير الصورة لرؤية وجوههم. كذلك الأمر مع المركبات، فلا يزال من الصعب تكبير الصورة للكشف عن نوع هذه المركبات أو أرقام لوحاتها.
هل يمكن العبث بصور الأقمار الصناعية؟ لم أتمكن من الحصول على إجابة مرضية على هذا السؤال خلال الجلسة. ولكن في أيار/ مايو ٢٠١٥، نشر الموقع البريطاني Bellingcat، والذي يقدم تحليلاً لصور وبيانات الأقمار الصناعية من مناطق النزاع، تقريراً يقول إن روسيا قامت بتزوير صور الأقمار الصناعية المتعلقة بسقوط طائرة الركاب الماليزية MH17 في يوليو ٢٠١٤، من أجل إلقاء اللّوم على أوكرانيا.
ستحتاجين كصحفية مستقلة الاستعانة بشركات مختصة للمساعدة في تحليل هذه الصور، خاصة إذا كان موضوع صور الأقمار الصناعية جديدا بالنسبة لك.
غالبا ما تحتاجين إلى النظر في عدد من صور الأقمار الصناعية لكي تتمكني من مقارنة التغير في التضاريس أولتعقب الحركة. النظر إلى صورة واحدة أو اثنتين لا يكفي. ستحتاجين كصحفية مستقلة الاستعانة بشركات مختصة للمساعدة في تحليل هذه الصور، خاصة إذا كان موضوع صور الأقمار الصناعية جديدا بالنسبة لك.
إذا، بينما يمكن لصور الأقمار الصناعية مساعدتنا في التحقق من معلوماتنا، فإنها لا تزال عنصرًا تقنيًا مكملًا للقصة. وبالتالي، قبل الاستعانة بغوغل إيرث عليك معرفة ما الذي تبحثين عنه بالضبط. في التحقيق الاستقصائي مثلا، يعني هذا أن تكون لديك فرضية واضحة ترغبين في إثباتها، ومن ثم تحديد الزوايا التي تريدين التركيز عليها وكيفية استخدامك لصور الأقمار الصناعية لإثباتها. يمكن لصور الأقمار الصناعية مساعدتك في دعم صحة تقريرك، لكنها لا يمكن أن تكون مصدرك الوحيد ولا حتى الرئيسي.
إذا كنت ترغبين في قراءة المزيد حول هذا الموضوع، لدى رويترز دليل إرشادي شامل حول صور الأقمار الصناعية. كما وجدت بعض الأدوات المفيدة هنا، في حال أردتِ استخدام تطبيقات أكثر تقدمًا من غوغل إيرث.
صورة: الدمار الذي أحدثته الفيضانات في تايلاند عام ٢٠١١ من موقع وكيبيديا
