hello world!

ظهرت في السنوات الأخيرة منظمات إعلامية صغيرة مستقلة تتحدّى الإعلام الحكومي. لكن تأمين استدامة هذه المؤسسات هو تحد كبير، خاصة بسبب شح الموارد المالية وتزايد الرقابة. قابلت شبكة ماري كولفن للصحفيات مالك الخضراوي هو مدير النشر وشريك مؤسّس في "إنكيفادا"،  مجلة إلكترونية تونسية تركّز على الصحافة الاستقصائية وصحافة البيانات.

بدأت رحلة "إنكيفادا" مع فريق من الصحفيين كانوا يعملون على مدونة جماعية تدعى "نواة" وكنت أنا أحد مؤسسيها. كانت المدونة معارضة لنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وكانت تركّز على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقمع السياسي. كل من كانوا يعملون في "نواة" آنذاك يعيشون في المنفى.

أردنا أن نصبح مستقلين ماليًا في نهاية المطاف، ونحن نعمل الآن على تطوير خدمات ومنتجات يمكنها أن تشكل صُلب عائداتنا

بعد عودتنا إلى تونس شكّلنا فريق تحرير لنواة، وبعد مضي ثلاث سنوات من الثورة قررنا إنشاء موقع إلكتروني أكثر تطورا، نعبّر من خلاله عن الوضع في تونس بشكل أفضل. وقد ضم الفريق المؤسس خبراء في تكنولوجيا المعلومات ومطوري الويب لأننا أردنا إنشاء موقع إلكتروني متطور تقنياً، وهكذا كانت انطلاقة "إنكيفادا" عام ٢٠١٤.

كان تمويل المنظمة التحدي الأكبر الذي واجهناه. ورغم أننا كنا على استعداد للعمل من دون مقابل لفترة من الزمن، إلا أن فريقنا كان يضم مطوري ويب ومصممين وصحفيين ولم يكن باستطاعتنا أن نطلب منهم العمل كمتطوعين إلى أجل غير مسمى، ولذا كان من الضروري أن نفكر بنموذج لإدارة الأعمال. لم نكن نرغب في الاعتماد على الإعلانات والرعاية المالية، لذلك لجأنا إلى التمويل من منظمات مثل مؤسسة دعم الإعلام العالمي International Media Support وغيرها، وفي نفس الوقت سعينا لتطوير نموذج عمل لتوليد الدخل. أردنا أن نصبح مستقلين ماليًا في نهاية المطاف، ونحن نعمل الآن على تطوير خدمات ومنتجات يمكنها أن تشكل صُلب عائداتنا. هذا الأمر سيستغرق بعض الوقت. في الوقت الحالي، خمسون في المئة من عملياتنا يتم تمويلها ذاتياً عن طريق خدمات التدريب والإنتاج التي نقدما، بينما يتم تمويل الخمسين في المئة الأخرى عن طريق المنح من مؤسسة دعم الإعلام العالمي ومؤسسة المجتمع المفتوح.

ونقوم أيضا بتدريب الطواقم في مؤسسات إعلامية أخرى في مجال الصحافة الاستقصائية وصحافة البيانات، كما نقدم خدمات أخرى مثل تطوير المواقع الإلكترونية وتصميم التطبيقات، بالإضافة إلى أننا نعمل كمنتجين تنفيذيين لشركات إنتاج عالمية في تونس. نحن الآن في عامنا الرابع واستراتيجيتنا هي أن يكون لدينا خدمات ومنتجات كافية بحلول عامنا الخامس تؤمّن استقلالنا المالي بشكل كامل. ولذلك أقول بأنّه على كل من يفكّر في تأسيس مؤسسة إعلامية خاصة أن يتأكد من وضع خطة عمل واضحة، كما ينبغي عليهم وضع معالم وأهداف واضحة وتقييم أنفسهم بشكل منتظم لضمان تحقيق تلك الأهداف.

أكبر الصعوبات التي نواجهها، والتي لم تكن في حساباتنا منذ البداية، هي العثور على صحفيين وصحفيات يتمتعون بالكفاءات التي نطمح إليها. لقد حال هذا الأمر دون توسيع فريقنا، ما اضطرّنا إلى الحد من عدد الخدمات والمحتوى الشهري. ولحل هذه المشكلة، فلقد قررنا التعاون مع كليات الصحافة في تونس وتدريب الصحفيين الشباب الذين يمكنهم الانضمام إلينا في المستقبل.

كنت أتمنى لو أن أحدا نصحنا من البداية بالاستثمار بشكل أكبر في الموارد البشرية. فنحن كصحفيين نولي اهتماماً أكبر للمحتوى التحريري

يضم فريقنا حاليا ١٢ عضوا تدعمُه مجموعة من الصحفيين المستقلين. لحسن الحظ لم نواجه أي مشكلات مع الحكومة، وتقتصر المشكلات التي نواجهها على تلك التنظيمية والمالية. هناك تحدٍ مرتبط بالعمل كمنظمة غير ربحية في تونس. فلقد كان يتوجب على الجمعيات غير الحكومية في السابق الحصول على موافقة الحكومة. أما الآن، فلدينا قانون جديد للمنظمات غير الحكومية وهذا خلق مناخاً إيجابيًا ومشوّقًا بالنسبة لنا. ولكننا لا نزال نواجه بعض التحديات لأننا نحقق بعض الأرباح في خدماتنا ما تسبب لنا ببعض المشاكل.

كنت أتمنى لو أن أحدا نصحنا من البداية بالاستثمار بشكل أكبر في الموارد البشرية. فنحن كصحفيين نولي اهتماماً أكبر للمحتوى التحريري، لكننا في نفس الوقت مؤسسة وهذا يتطلب منا التفكير بكيفية إدارة أعمالنا. لو أننا عيّنّا مديرا تنفيذيا ومديرا ماليا لمتابعة العمليات اليومية من البداية، لكانت الأمور أسهل بكثير.

أتمنى أن يقوم المزيد من الناس بإنشاء مؤسسات إعلامية لأننا بحاجة إلى أصوات جديدة في العالم العربي، وهناك العديد من الفرص في هذا المجال.

 

نصائح مالك للصّحفيات اللواتي يعتزمنَ إنشاء منظمات إعلامية خاصة بهن:

  • فكّري ماليًا في المحتوى التحريري الذي ستقدمينه وكوني مبدعة
  • استثمري في الشق الإلكتروني أو الرقمي، وابذلي جهداً لفهم المشهد الإلكتروني الجديد
  •  تأكدي من وجود مطوّر ويب جيد في فريق العمل أو شخص مختص في هذا المجال كي لا تكوني تحت رحمة مزودي خدمات تطوير الويب
  • ضعي خطة عمل قوية تضمن استقلالية مؤسستك المالية في نهاية المطاف