hello world!

 

في إبريل نيسان 2018، نظمت شبكة ماري كولفن للصحفيات أول ورشة عمل لها عن الصحة النفسية في رام الله. على مدى يومين، اجتمعت زميلاتنا الصحفيات من الضفة الغربية ليتبادلن التجارب حول العمل تحت الاحتلال، وعملن مع الأخصائية النفسية ليلى عطشان ومع مدربة اليوغا نوران نصيف للعثور على وسائل للتعامل مع الضغط النفسي والتغلب على التحديات التي تواجههن في العمل وفي حياتهن الشخصية.

أخشى أن أجري مقابلة مع أم لشهيد أو أسير، لأجد أنني أحمل هماً آخر لا أقوى على احتماله

لم يكن سهلا التفكير بالانضمام لورشة عمل عن الصحة النفسية لأنني كنت أخشى أن أكتشف أنني بحاجة إلى طبيب نفسي وهذا بحد ذاته كان كافيا لأن أمتنع عن المشاركة. لكنني أدركت أنني بحاجة للمساعدة في مواجهة مصاعب الحياة التي تراكمت خاصة بعد وفاة أمي، ومخاوفي المستمرة من أن أخسر عملي كصحفية، وعدم تكافؤ الفرص، ناهيكن عن الظلم المجتمعي خاصة تجاه الامرأة الفلسطينية في منطقة الخليل. فكلما أجريت مقابلات معهن أشعر وكأني أحمل همومهن معي أينما ذهبت. وأنا أيضا أعاني من ذات الهموم والظلم.

ويبقى الاحتلال الإسرائيلي المسبب الرئيسي لمعاناتنا اليومية. فعدا عن ممارسته اليومية ضدنا، فإنني أخشى أن أجري مقابلة مع أم لشهيد أو أسير، لأجد أنني أحمل هماً آخر لا أقوى على احتماله، ناهيكن أيضا عن القيود المفروضة عليّ في الحركة والتنقل. فبسبب هذه القيود لم أتمكن من رؤية أمي في لحظاتها الأخيرة خلال العلاج بمدينة القدس التي لا يمكنني زيارتها إلا بتصريح.

كيف لي أن أستوعب كل هذا الألم والغضب؟ أدركت أنه كان عليّ أن أفكر بجدية أن أتحدث إلى خبيرة لعلها تزيح جزءا من همّي. وبالفعل، فلقد ساعدتنا الدكتورة ليلى عطشان من خلال هذه الورشة في مواجهة هذه المشاكل من خلال تقريبنا من بعض كمجموعة. شعرنا بالأمان تجاه بعضنا البعض، وتمكنّا من كسر حواجز الصمت والبوح بكل شيء دون خوف أو خجل. نجحت ليلى في ذلك لأنها كانت قريبة منّا، وشعرنا بتواصل روحي معها. لا أعرف إذا كان هذا المصطلح في مكانه لكن هذا هو ما شعرت به.

تمكنت ليلى عطشان (والتي طلبت أن لا نناديها بلقب "دكتورة") من الوصول إلى ما بداخلنا لتمنحنا شيئا من السلام الداخلي تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. تمكنت خلال هذه الورشة من التصالح مع نفسي لأعرف من أنا وماذا أريد. لا أبالغ عندما أقول أن اليومين الذين أمضيناهما في هذه الورشة كانا من أجمل أيامي خاصة في الفترة الأخيرة. بكينا معا وضحكنا وصرخنا ولعبنا أيضا.

كانت هناك الجلسات العامة التي وفرت مساحة كبيرة للبوح عن مشاكلنا كمجموعة. ثم عقدنا جلسات ثنائية مع زميلاتنا، حيث تحدثنا بشكل أوسع فتحت عن القصص التي ربما لا نستطيع الحديث فيها حتى مع أنفسنا.

أجمل ما في ليلى هو روحها الفكاهية الجميلة وقدرتها على تحدي الصعوبات الجمة التي تواجهها. كانت تنصت إلينا بإمعان وتسعى لطرد الأفكار السلبية من داخلنا وتغيير نظرتنا لأمور كثيرة من خلال التمارين والألعاب، وحتى من خلال قصصها عن تجربتها الشخصية.

تمكنت خلال هذه الورشة من التصالح مع نفسي لأعرف من أنا وماذا أريد. بكينا معا وضحكنا وصرخنا ولعبنا أيضا

أما تمارين اليوجا التي قدمتها المدربة نوران نصيف فهذه قصة أخرى. روحها الإيجابية وابتسامتها التي كانت تبث الطاقة الإيجابية فينا دفعتني للتساؤل إن كانت تستمد هذه الطاقة من خلال عملها كمدربة يوغا أم أنها خُلقت بهذه الطاقة أصلا! كانت تمارين اليوغا بمثابة الدواء لنا، فجلسات الصفاء الذهني والتأمل والموسيقى الهادئة وحتى التمارين التي تهدف للتعرف على مواطن الطاقة بالجسم أحدثت تغييرا كبيرا، والجميل في الأمر هو أنه من الممكن إجراؤها في البيت وفي أي وقت، مهما كان قصيرا، ولا تتطلب الكثير من الاحتراف لإتقانها.

نصحتنا ليلي ونوران بالاهتمام بأبسط الأمور كالاستماع للموسيقى وممارسة الرياضة والكتابة والرقص وحتى الجلوس في الطبيعة. كلها أفعال مجدية وسأحاول الالتزام بها.

ساعدت هذه الورشة على تخفيف الضغط النفسي الذي كنت أعاني منه، وساعدتني أيضا في التعامل مع عائلتي. أما على الصعيد المهني، فلقد تعلمت كيف أستمع للنساء اللواتي أجري مقابلات معهن بأسلوب يساعدهن أيضا على البوح والتنفيس عن ما بداخلهن. فكل منا بحاجة لمن يستمع له فقط لا أكثر.

اتضح لي خلال هذين اليومين أن الصحة النفسية مهمة كالصحة الجسدية بل وأنها تؤثر في صحة الجسم أيضا. ولذا فأنا أنصح زميلاتي بالاهتمام بصحتهن النفسية وشكرا لشبكة ماري كولفين على إتاحة هذه الفرصة.

 

إذا كنتِ تعملين في مناطق الصراع، أو تجرين مقابلات بشكل منتظم مع ضحايا العنف والحروب، اتّبعي هذه النصائح من الأخصائية النفسية ليلى عطشان للحد من الأثر السلبي على صحتك النفسية.

  • أثر الفراشة: قد تشهدين الكثير من الحوادث الصادمة خلال عملك، وفي أغلب الأحيان ستشعرين أنك عاجزة عن القيام بأي شيء في وجه كل هذه المعاناة الإنسانية. تذكري أنه مع أنك لن تتمكني من إنقاذ العالم، إلا أن تقومين بالكثير بمجرد أدائك لدورك كصحفية. كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش، فإن "أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول"، فتذكري أن عملك هو كأثر الفراشة.
  • احذري من عقدة الذنب: لا تحرمي نفسك من الحق في السعادة والتمتع بحياتك. إذا أجريتِ مقابلات مع ضحايا الحروب والصراعات، لا تشعري بالذنب لأنك لا تعانين مثلهم، وتذكري أنك لن تنقذي العالم بهذه الطريقة.
  • استمتعي بأبسط الأمور في الحياة: السعادة في الحياة تأتي من أصغر التفاصيل. احرصي على المشي، واستمعي للموسيقى وتحدثي مع أصدقائك. هذه الأمور الصغيرة تحدث فرقا كبيرا.
  • تعلمي فن الإصغاء، وعلّمي أصدقاءك فن الإصغاء أيضا: نعتقد أحيانا أننا نساعد الأصدقاء عندما نثني على "شجاعتهم" و "صمودهم" في وجه التحديات، لكن هذه الكلمات قد تحدث أثرا سلبيا أحيانا لأن فيها مصادرة لحق الآخرين بالشعور بالحزن أو الضعف. فمن الطبيعي أن نشعر أحيانا بالحزن والإحباط، لا يمكن أن نكون شجاعات طيلة الوقت.

 

إذا كنت تشعرين أن عملك الصحفي بات يؤثر سلبا على صحتك النفسية، يمكنك مراجعة المصادر المتوفرة في قسم "الصحة النفسية والتعامل مع الصدمات" في مكتبة المصادر على موقعنا. يمكنك أيضا التواصل مباشرة مع رئيسة التحرير، ديمة حمدان، على العنوان التالي