hello world!

 

لم أكن أتخيل أنني سأكتب مقالا كهذا بحياتي، مع أنني أدرك مدى صعوبة وخطورة العمل الصحفي في العراق.

فالأحزاب الإسلامية والجماعات المسلحة تتصدى لكاتبي الأعمدة والتقارير التي تنتقد وتفضح تهديدهم لحياة المدنيين، وتكشف كيف يسيطرون على الناس بقوة السلاح وخرق القانون.

وفيما يتعلق بحادثة اختطافي، والتي تداولتها وسائل الإعلام، فقد وقعت بعد أن كانت تصلني الكثير من التهديدات بالتصفية والقتل والملاحقة من قبل جهات مجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الجهات كانت تنشر ضدي مقالات على الإنترنت وتتهمني بالعمالة والخيانة وغيرها من الاتهامات الباطلة. معظم هذه الاتهامات كانت بسبب عملي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ذات التمويل السعودي، والتي تعاديها الأحزاب الإسلامية في العراق.

ازدادت التهديدات ضدي عندما نُشر تقرير باسمي عن ظاهرة انتشار الرايات السوداء في بغداد، والتي تستخدم للإعلان عن أسماء الجماعات والمليشيات المسلحة في العراق. في ذلك الوقت، كانت الحكومة العراقية تحاول حصر السلاح بيد الدولة والحد من انتشار تلك الجماعات، إلا أن نفوذ تلك الجماعات كان أكبر من قدرة الحكومة العراقية على مجابهتها.

تجاهلت هذه الاتهامات وواصلت عملي، إذ قال لي أصدقاء إن هذه هي مجرد زوبعة  لا تعدو أن تكون أكثر من كلمات وسينتهي الأمر. إلا أن الحملة لم تنته بل أصبحت أشد وامتدت إلى مجال عملي الحكومي في وزارة الثقافة  وقامت لجان تحقيق تبحث في حرماني من منصبي الوظيفي.

شعرت أن كل شيء قد انتهى، وصرت أتلو آيات من القرآن الكريم وأستغفر الله، منتظرة أن يقتلوني في أية لحظة.

 

بداية الفصل الأعنف من التهديدات

تطور الأمر في شهر ديسمبر كانون الأول عام ٢٠١٦، عندما اتُهمت بنشر تقرير في ذات الصحيفة ينطوي على إهانة للطقوس الدينية. لم يكن هناك اسم على المقال، ومع أنني نفيت أن أكون كاتبة المقال عبر صفحتي الرسمية على موقع فيسبوك، إلا أنه ظهرت مقالات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتهمني بالعمالة والخيانة والإساءة إلى الشهداء وتدعو إلى طردي وقتلي.

في الساعة العاشرة مساء يوم ٢٦ ديسمبر كانون الأول، اقتحم مسلحون مثلمون بيتي. كانوا يرتدون الزي المدني، ومع أنني رفضت أن أفتح الباب في البداية إلا أنهم اقتادوني عنوة. حاولت أن أصرخ ولكنهم كمموا فمي واحتجزوا بقية الأفراد في منزلي داخل غرفة. وجهوا أسلحتهم نحو خاصرتي ووضعوا عصبة على عينيّ،  ثم أخذوني خارجا حيث كانت سيارات تنتظرهم.

عندما انطلقت السيارات شعرت أن كل شيء قد انتهى، وصرت أتلو آيات من القرآن الكريم واستغفر الله، منتظرة أن يقتلوني في أية لحظة. توقفت السيارات بعد حوالي ثلاثة أرباع الساعة، وأنزلوني وأنا لا أزال مقيدة ومعصوبة العينين. أخذوني إلى زنزانة وهناك رفعوا الغطاء عن عينيّ. لم أتمكن من رؤية أي منهم لأنهم أمروني بتوجيه رأسي نحو الجدار. أغلقوا البوابة الحديدية لسجني ورحلوا.

 

التحقيق والتعذيب

كنت ارتجف خوفاً، وكنت أسمع دقات قلبي وكأنها مدفع.  كدت أصاب بالجنون: أين أنا؟ من هؤلاء؟ ماذا سيفعلون بي؟ هل سيقتلونني؟ وكيف؟ هل سأغتصب؟ هل أتوسل بهم؟ كيف حال أولادي الآن؟

كانوا يحققون معي لمدة ساعات، يسألونني عن كتاباتي الصحفية وعن الجهات التي يُزعم أنها تدعمني بالمال. اتهموني بالعمالة والخيانة، وكان لديهم ملف كامل عن منشوراتي على موقع فيسبوك. حاولت الدفاع عن نفسي ولكنهم كانوا يطرحون الأسئلة وكأنها إدانة لامفر منها.

عاملوني بعنف إذ تم تعليقي إلى السقف بواسطة سلسلة حديدية، وقيدوا يديّ  وقاموا بضربي أكثر من مرة. لم أكن أقدر على التمييز بين الليل والنهار إذ كانت زنزانتي بلا نوافذ. توسلت إليهم ولكنهم أجبروني على الاعتراف بتهم لم أرتبكها، بأنني قد خنت بلدي، و أنني أتعمد نشر أخبار كاذبة لصالح جهات خارجية.

استمرت الجهة الخاطفة بملاحقتي حتى بعد الإفراج عني، وقررت أخيرا أن أستمع لنصيحة الأصدقاء بمغادرة بلادي لكي أحمي نفسي وأطفالي من أي اعتداء جديد.

 

إطلاق سراحي

امتدت فترة احتجازي القسري لتسعة أيام. ولاحظت في الأيام الأخيرة أنهم يعاملونني بهدوء. كانوا يلوحون بالإفراج عني مقابل شروط كثيرة، من بينها التزام الصمت وعدم إفشاء ما حدث لي خلال التحقيق. عندما أفرجوا عني وعدت إلى أهلي لم أصدق أنني نجوت حقا من الموت. عندها علمت بحجم الحملة الإعلامية التي طالبت بإطلاق سراحي وفرحت بحجم التأييد الشعبي وبدعم الأصدقاء الذين واظبوا على زيارتي لمدة شهر. رفضت التصريح لوسائل الإعلام عن ما حدث لي لأنني كنت أخشى من بطش الخاطفين بأهلي وأولادي.

عندما عدت إلى بيتي، أخبرتني شقيقتي عن الدعم الكبير الذي تلقته من عدة مؤسسات، والتي كانت على اتصال يومي بها، وكانت من أبرزهم شبكة ماري كولفن للصحفيات، والتي انضممت إليها عام ٢٠١٦. كانت الشبكة تتصل بشقيقتي يوميا لمتابعة المستجدات ولكي تعطيها نصائح من خبراء الأمن، خاصة حول كيفية التعامل مع وسائل الإعلام وأي جهة تدعي أنها على علاقة بالخاطفين.

استمرت الجهة الخاطفة بملاحقتي حتى بعد الإفراج عني، وقررت أخيرا أن أستمع لنصيحة الأصدقاء بمغادرة بلادي لكي أحمي نفسي وأطفالي من أي اعتداء جديد.

استمر التواصل مع شبكة ماري كولفن للصحفيات حتى بعد إطلاق سراحي، إذ سعت إلى التخفيف من الصدمة التي أصابتني و طمأنتي، كما ساهمت في سد احتياجاتي الطارئة من خلال تعريفي على مؤسسة روري بيك، والتي قدمت لي مساعدة مالية لتغطية تكاليف السفر والإقامة المؤقتة في باريس. كل ذلك بالإضافة إلى الدعم النفسي الذي عزز لدي الثقة بعمل هذه المنظمات.

ظروفي الجديدة وعملي الجديد قصة أخرى طويلة، لكنني باختصار أن أتوقف عن العمل على فضح الفاسدين في بلدي. ما أصابني أعطاني حافزا لأواصل العمل في الصحافة ومازال أمامي الكثير لأحققه. أقول كلمة شكر كبير لكل من ساندني وبخصوص زميلتي وصديقتي الطيبة ديمة حمدان التي كانت الأقرب لي في محنتي وشكرا لأني بينكم وقريبة منكم صديقاتي في مهنة المخاطر والتعب.