hello world!

 

ناتاشا غنيم هي من كبيري المراسلين في شبكة الجزيرة، ومرشدة مع شبكة ماري كولفن للصحفيات. بخبرة تزيد على عشرين عاما في  إجراء المقابلات مع الأطفال، فإن نصيحتها الرئيسية هي تجنب طرح الأسئلة المتعلقة مباشرة بالأحداث المؤلمة التي تعرض لها الأطفال.

في عام 2015 ، عندما كنت أغطي الحرب في جنوب السودان، التقيت بأطفال رأوا آباءهم يضربون إلى حد الموت، وشاهدوا أمهاتهم وأخواتهم يتعرضون للاغتصاب، كما أحرقت منازلهم.  

تحدثت إلى بعض الأطفال عن طريق اليونيسيف، التي عرفتنا على صبي يبلغ من العمر عشرة أو أحد عشر عاما. لا أعتقد أنه كان يعرف عمره الحقيقي لأن الناس في جنوب السودان غالبا لا يعرفون تواريخ ميلادهم. لم أسال الصبي على وجه التحديد عن الحوادث المروعة، لكنني اخترت أن اسأله أسئلة مفتوحة.

قال لنا أشياء مروعة. روى لنا خطوة بخطوة ما حدث عندما جاء بعض المقاتلين المتمردين إلى قريته، وكيف تمكن من الفرار إلى مخيم. كان يتحدث ببطء عن طريق مترجم. ولكنني قررت إنهاء المقابلة بعد  ١٥ دقيقة لأنه كاد أن يدخل في حالة غيبوبة ولم أرغب في دفعه إلى أبعد من ذلك.

من المهم إجراء المزيد من التقارير عن الأطفال لأنهم من أكثر الفئات ضعفا على هذا الكوكب

فكرنا كثيرا فيما إذا كان ينبغي استخدام المقابلة، خاصة لأننا لم نتمكن من التحقق من الأشياء التي كان يقولها. على الرغم من أن لدي كل الأسباب للاعتقاد أنه كان يقول الحقيقة، إلا أنني شعرت بالقلق لأنه لم يكن هناك شخص بالغ قريب للتحقق من ذلك. في النهاية، لم أكن أعتقد أنه كان من المفيد عرض وجه الصبي على شاشة التلفزيون وتعريضه إلى ما يمكن أن يحدث في صراع قبلي.

من المهم إجراء المزيد من التقارير عن الأطفال لأنهم من أكثر الفئات ضعفا على هذا الكوكب. أغلب تجاربي المهنية كانت في الولايات المتحدة، حيث لدينا أطفال يواجهون الجوع ويعيشون مع آباء مدمنين في الأحياء التي تسيطر عليها العصابات. لا يمكنك التحدث مع الأطفال الذين تعرضوا للصدمة بسبب الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب أو العنف والبدء في طرح الأسئلة لأن ذلك قد يزيد من صدمة الطفل. يجب عليك الحصول على موافقة الوالدين. إذا قتل الوالدان أو لم يكونا في الصورة، فإنني أتواصل مع أخصائيين في الصحة النفسية أو منظمات كاليونيسف للعثور على أطفال للتحدث معهم.

ليس من الضروري أن تكوني امرأة لتكوني قادرة على إجراء المقابلات مع الأطفال، ولكن عليكِ أن تعرفي كيف تجعليهم يشعرون بالراحة للتحدث معك. لا تجلسي على كرسي أثناء إجراء مقابلة مع طفل، وإنما انزلي إلى مستواه والعبي معه.

تذكري أيضا أن الأطفال في بعض الأحيان يكذبون أو يتخيلون الأشياء، وأنا لا أود استخدام قصص غير حقيقية في تقاريري. عندما أشعر بأن شيئا ما ليس على ما يرام، فإنني أنتقل للحديث مع أشخاص آخرين.

لا أستخدم اسم الطفل الحقيقي على الكاميرا إلا إذا كان طرفا في قضية رأي عام، وأحصل دائما على موافقة الوالدين.

تغطية  قضايا الأطفال لا تقتصر على تصوريهم كمجرد ضحايا للعنف، وأرى أن الصحفيين يسيئون إلى الأطفال إلى حد كبير بالتركيز فقط على هذه النقطة. تغطية قضايا الأطفال بهذا الشكل، وخاصة في الشرق الأوسط، تصبح سطحية و نمطية.

نصائح ناتاشا حول إجراء مقابلات مع الأطفال

  • واظبي على طرح اقتراحات لتقارير عن الأطفال على رؤساء التحرير، فمن المهم أن يكون هناك المزيد منها.
  • تعاملي مع الأطفال بعناية كبيرة. فإذا بدا الطفل ضعيفا أو مهزوزا، أوقفي المقابلة فورا.

  • اطرحي دوما أسئلة مفتوحة. لا تسألي أسئلة مباشرة عن الحادث الصادم.

  • احرصي دوما على الحصول على موافقة مكتوبة من الأبوين أو ولي الأمر. تأكدي من أنهم على دراية تامة بالتبعات التي قد تنجم عن نشر القصة.

  • انتبهي إلى أي تحولات في نبرة الطفل أو لغة جسده، وتصرفي وفقا لذلك.

 

كات كارتر هي رئيسة المعلومات الإنسانية والاتصالات في منظمة إنقاذ الطفل. وتنصح كات، التي يحتوي سجلها على عدد لا يحصى من المقابلات مع ضحايا العنف، الصحفيين بالاعتناء بصحتهم النفسية، إضافة إلى الصحة النفسية للأطفال الذين يقابلونهم.

كنت في مخيم للاجئين على الحدود بين الأردن وسوريا عندما التقيت بحسن. كان صبيا يبلغ من العمر  اثني عشر عاما، وكان هذا في الأيام الأولى من الصراع، عندما كنا بالكاد نعرف عن مدى تردي الوضع داخل سوريا.

قال حسن إنه يريد أن يقول لي شيئا، وارتكبت أنا الخطأ الكلاسيكي بافتراض أنني كنت أعرف سلفا ما كان سيقوله. كنت أعرف عن نقص الغذاء والماء، وأن الناس في المخيمات لم يكن لديهم كل ما يحتاجونه. فسألته عن هذه الأشياء وأجابني هو بأدب شديد. لكنه التفت بعد ذلك إلى المترجم وقال: "لماذا تسألني هذه المرأة المجنونة عن الطعام والماء، وأنا رأيت أعز صديق لي لحظة إعدامه؟ لماذا لا تسألني عن ذلك؟ وعن التعذيب؟".

وضعت دفتر ملاحظاتي جانبي، وأخبرني هو عن التعذيب المنهجي وأن علي أن أذهب لأتحدث مع  الآخرين في المخيم حول هذا الموضوع. هذه المحادثة غيرت تماما نهجي ونهج مؤسسة إنقاذ الطفل في إجراء المقابلات مع الأطفال، فلقد أدركنا أنه علينا أن ندع الأطفال يقودون المحادثة.

بعد هذه المقابلة، أصدرت منظمة إنقاذ الطفل تقريرا عن تعذيب الأطفال في سوريا، وتم تسليمه إلى مجلس الأمن. حتى أن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، اقتبس كلام أحد الأطفال الذين قابلتُهم للبرلمان البريطاني. كل هذا كان نتيجة تلك المحادثة مع حسن.

فلقد أدركنا أنه علينا أن ندع الأطفال يقودون المحادثة.

من أصعب الأمور في العمل مع الأطفال في الحروب والصراعات هو أن عليك أن تتركيهم في نهاية المطاف. غالبا ما كنت أجرى مقابلة مع طفل على مدى عدة أيام، وأبني علاقة معه، لكنني بعد ذلك أعود إلى فندقي أو بيتي، تاركة ذلك الطفل في وضع الصعب.

لقد أخبرني أطفال أنهم شاهدوا آباءهم وهم يعدمون، أو أنهم تعرضوا لاعتداء جنسي. تسمعين عن أسوأ الأمور التي يمكن أن تحدث لأي طفل، وهذا يؤثر على صحتك النفسية. لذلك عليكِ أن تأخذي استراحة ما بين المقابلات. بعد كل مقابلة، اجلسي لوحدك لعشرة دقائق وفكري في ما سمعتِ. دوّني مذكرات حول مشاعرك والأشياء التي أزعجتك. فكتابة الأفكار تساعدك على التعامل مع تلك المشاعر.

أكبر خطر في إجراء المقابلات مع الأطفال هو احتمال إعادة صدمة الطفل. إذا كنتِ تظنين أن الطفل يقوم بإيذاء نفسه أو أن لديه ميول انتحارية أو أنه غير قادر على التعامل مع الحياة ، فيجب عليك إنهاء المقابلة.

فضّل عادة أن يتطوع الناس لسرد قصصهم. ولهذا فقد أذهب إلى مدرسة أو ملعب، ثم أشرح ما أقوم به وأدعو الأطفال إلى التحدث معي إذا كانوا يرغبون بذلك. ودائما أمنح المجال للطفل لتولي القيادة في المقابلة. على سبيل المثال، عندما أقابل طفلا سوريا في لبنان، فإنني أسأله: "ماذا تريد أن تخبرني عن رحلتك؟" بدلا من "ما هي الأشياء الرهيبة التي رأيتها؟" لأن سؤالا كهذا يشكل ضغطا كبيرا عليه.

ما وجدته مفاجئا خلال كل السنوات التي أمضيتها في إجراء المقابلات مع الأطفال هو أنهم يبقون دوما أطفالا. فقد يجبرون على تولي مسؤوليات الكبار، بل ويصبحون أربابا لأسرهم إذا قُتل آباؤهم. لكنكِ إذا ركلتِ الكرة لهم سيلعبون ويصبحون أطفالا مرة أخرى. علامات الصمود هي البارقة التي تمنحكِ الأمل.

نصائح كات حول إجراء المقابلات مع الأطفال

  • استخدمي أسلوب البطاقة الحمراء: عند إجراء مقابلة مع طفل، ضعي بطاقة بينك وبينه وأخبريه بأنه إذا شعر بعدم الارتياح في أي وقت، فيمكنه لمس البطاقة وهذا يعني أن المقابلة قد انتهت. هذا يجعلهم يشعرون بأن لديهم سيطرة على الوضع لأنه من الصعب على الطفل أن يقول "توقفي"، وعليكِ احترام ذلك.

  • قومي بقراءة أكبر قدر ممكن من المعلومات حول النزاع أو الحادث كي تكون لديكِ الخلفية المناسبة قبل إجراء المقابلة مع الطفل.

  • لا تبالغي في ردة فعلكِ على ما يقوله الطفل لأن ذلك قد ينهي المقابلة، ومن ثم قد يشعر أنه أخطأ في الحديث معك.

  • اقضي بعض الوقت مع الطفل قبل المقابلة حتى يعتاد عليكِ.

  • لا تطرحي أسئلة معقدة، فالأطفال يسأمون بسهولة. اجعلي المقابلة قصيرة بحيث لا تزيد عن ٣٠ دقيقة، ويمكنك دائما العودة إليهم.

  • أحضري الأوراق والأقلام ليلعب بها الأطفال لأن هذا يساعدهم على الاسترخاء، وفكري في طرق أخرى خلاقة لإشراك الطفل.

  •  أخبريهم عن نفسك وعن الأشياء التي كنتِ ترغبين القيام بها وأنتِ طفلة، مما يجعل الطفل يستريح