hello world!

 

عندما قررت بسمة مصطفى التحقيق في مقتل القتلة المزعومين للباحث الإيطالي جوليو ريجيني، أدركت أنها ستواجه مقاومة من رؤساء التحرير في صحيفتها ومن مؤيدي الحكومة. لكن هذه الصحفية المصرية وجدت نفسها فيما بعد ضحية حملةٍ شرسة لتشويه سمعتها الشخصية. ومع أنها لا تندم على شيء، إلا أنها تقدم نصائح كتحذير للصحفيات اللواتي قد يجدن أنفسهن في موقف مماثل.

بدأت المشكلة في إبريل نيسان عام ٢٠١٦، عندما نشرت تقرير فيديو عن جوليو ريجيني، الباحث الأكاديمي الإيطالي الذي اختطف وقتل بوحشية في القاهرة في يناير كانون الثاني من ذلك العام.

كنت أعمل في موقع إخباري مستقل، ولكنه مؤيد للحكومة، في القسم المخصص لحقوق المرأة. لكنني كثيرا ما كنت أعمل أيضا في قسم التحقيقات على تقارير خاصة.

كنت في الولايات المتحدة عندما سمعت أن الشرطة المصرية  أعلنت أنها قتلت عصابة من خمسة رجال مصريين قالت إنهم مسؤولون عن وفاة ريجيني. كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت هو أن ريجيني تم تعذيبه حتى الموت من قبل الشرطة المصرية.

قررت التحقيق في هذه القصة بمجرد عودتي إلى مصر. مع أن الموقع الذي كنت أعمل فيه مؤيد للحكومة، إلا أنني أردت العمل على هذه القصة في أية حال. قالت رئيسة التحرير إن العمل على الموضوع غير مجدٍ لأن الرجال الخمسة الذين قُتلوا كانوا مجرمين ومتهمين في عدة قضايا. لكنها أعطتني الضوء الأخضر للعمل على التحقيق وقالت إنها ستقرر بعد انتهائي من التقرير ما إذا كان سينشر أم لا.

عندما انتهيت من العمل على التحقيق، شعرت أنه لن ينشر بسبب حالة القلق السائدة آنذاك من رد فعل السلطات الأمنية. تحدثت مع رئيس قسمي في الموقع، والذي كانت سلطته توازي سلطة رئيسة التحرير، وأكد لي أنه سيتم نشره.

ورغم الضمانات التي قدمها لي، إلا أنني كنت قلقه جدا، لذلك قمت بنسخ الفيديو على (هارد درايف) وأخذته معي إلى المنزل. كنت قد قررت أنه إذا امتنع رؤساء التحرير عن نشر التقرير، فإنني سأقوم بنشره وحدي.

"أمضوا أسابيع في الكتابة بأنني دخلت للصحافة من خلال المحسوبية وما أسموها ب"وسائل قذرة".

 

عندما نُشر التقرير

نُشر التقرير على الموقع في اليوم التالي، ولكن بعد ساعة فقط من تحميله على الموقع، تم حذفه. كنت في المنزل ذلك اليوم، ولكن تم استدعائي إلى المكتب وإبلاغي بأنني موقوفة عن العمل لأنني قيد التحقيق.

بمجرد دخولي إلى المكتب، انهالت عليّ المديرة بالشتائم. اتهمتني بالبلاهة وقللت من قيمة عملي الصحفي، وأسوأ بكثير. كان يجب أن أدافع عن نفسي، فقلت لها إن أسلوبها في مخاطبتي غير مهني، وأنه ليس من حقها ان تعاتبني على نشر التقرير لأن القرار كان لرئيس القسم.

في اليوم التالي تم نقلي إلى قسم جديد، وتقرر عدم نشر اسمي على التقارير السياسية، وبخاصة المواضيع المتعلقة بالقوات المسلحة والشرطة. لم أعترض على هذا القرار لأنني أدركت أنهم يحاولون الضغط علىّ للاستقالة، لكنني رفضت الانحناء. لمدة شهر كامل، كنت رئيسة قسم بدون صحفيين، ولم تكن لدي أية مهام سوى الدوام في المكتب ما بين التاسعة والخامسة.

ولكن في أحد أيام، وبالرغم من القرار بإيقافي عن تغطية القضايا السياسية، تم إرسالي لتغطية التظاهرات ضد نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. ذهبت إلى ميدان التحرير، وبمجرد وصولي إلى هناك ألقي القبض عليّ وتم نقلي إلى مقر للأمن العام. تم استجوابي حول تقريري عن القتلة المزعومين لريجيني. أرادوا أن يعرفوا مصادري، ولكنهم أطلقوا سراحي بعد ساعات قليلة فقط لأن وكالة الأنباء الرسمية الإيطالية أصدرت بيانا عن اعتقالي، وكان المدعي العام الإيطالي قد اتصل بالسلطات في مصر.

اكتشفت فيما بعد إن الموقع لم يصدر بيانا للتضامن معي إلا بعد أن كنت قد غادرت مقر أمن الدولة، وأن الإدارة لم تقدم على ذلك إلا لأن زملائي هددوا بإصدار بيان خاص بهم. عندها قررت أن الوقت قد حان لتقديم الاستقالة.

الحملة

بدأت رئيسة تحرير الموقع بنشر تعليقات عنّي على حسابها الشخصي على موقع فيسبوك. مع أنها لم تذكرني بالاسم، إلا أنه كان واضحا أن التعليقات متعلقة بي. ادعت بأنني كنت في علاقة غرامية مع رئيس القسم، وأن هذا كان السبب وراء نشر تقريري. واستمرت حملة التعليقات هذه لمدة شهرين.

تجاهلت تعليقاتها، لكنني قررت مرّة أن أعلق على منشور متعلق بأمر مهني. قلت إن فريق إنتاج الفيديو في موقعنا يعمل في موقع شقيق أيضا ودون زيادة في الأجر. بعد نشري لهذا التعليق انهالت عليّ التعليقات السلبية، ليس فقط من قبل رئيسة التحرير، بل ومن مؤيديها أيضا. لم يتجرأ أي منهم على نشر اسمي لأنهم كانوا يعلمون أنني كنت سأرفع قضية سب وقذف ضدهم. لكنهم أمضوا أسابيع في الكتابة بأنني دخلت للصحافة من خلال المحسوبية وما أسموها ب"وسائل قذرة".

أسوأ ما نشر عني كان في مدونة كتبها صحفي عملت معه في صحيفة أخرى. ذكرني بالاسم ​​وقال إنه لم يتم توظيفي في الموقع إلا من باب الشفقة بسبب "وضعي الاجتماعي الفقير". ادعى أيضا أنني كنت أغازل صاحب الموقع (مع العلم بأنني امرأة متزوجة) وأنني كنت متورطة بفضائح كثيرة، من بينها علاقة غرامية مع رئيس القسم. حذف الصحفي المدونة بعد أن انهالت عليه الانتقادات لأن ما كتبه غير مهني وتصرف رخيص. للأسف فإن الصحفيات الإناث يُنظر إليهن كهدف سهل لأن الناس مستعدون لتصديق أي إشاعات سلبية متعلقة بسمعتهن.

كنت غاضبة وأردت أن أرد، لكن أصدقائي نصحوني بعدم الرد على هذه التعليقات، وكنت أتفهم وجهة نظرهم. فأنا كنت أحارب من أجل الحق في نشر الموضوع ودفاعا عن الأخلاق المهنية، بينما كان خصومي يلجؤون إلى الهجمات الشخصية لأنه لا يوجد شيء أسهل من النيل من امرأة عن طريق تشويه سمعتها.

لا ندم

"لا يوجد شيء أسهل من النيل من امرأة عن طريق تشويه سمعتها"

مع أن الهجمات توقفت، إلا أن تأثيرها لا يزال مستمرا إلى هذا اليوم. فلقد تلقيت مؤخرا عرض عمل في مؤسسة جديدة، لكن الإدارة سحبت العرض فجأة، واكتشفت فيما بعد أن القرار كان بسبب ما حدث مع الموقع الذي كنت أعمل معه. لا أزال أعمل كصحفية حرة، وآمل أن تتحسن الأمور قريبا.

لقد حذرني زوجي، وهو محام، منذ البداية من كتابة أي شيء على وسائل التواصل الاجتماعي حول ما حدث في الموقع لأنه كان يعلم أنه ستكون هناك عواقب. ولكنني كنت غاضبة ولم أقدر على التزام الصمت. أنا سعيدة لأنني تمكنت من نشر هذا التقرير على موقع مؤيد للحكومة، وأعتبر ذلك انتصارا!

لا أندم على أي شيء لأنني شعرت أن التقرير أثر بالفعل على القضية، إذ اعترفت السلطات المصرية أن الرجال الخمسة لم يكونوا مسؤولين عن قتل ريجيني. ولكن للأسف في هذه المهنة هناك دائما ثمن: إما في حياتك الخاصة أو سلامتك.

 

نصائح بسمة للتعامل مع البلطجة الالكترونية

  • إذا وجدتِ نفسك ضحية حملة بلطجة إلكترونية، لا تتفاعلي مع القائمين على الحملة لأن ذلك سيزيد الوضع سوءا وسيرهقك. حتى لو وصلت البلطجة إلى حد التشهير، فلا تردي بالمثل.

  • كوني حذرة بشأن ما تقولين ولمن تقولين لأن الكلام يمكن أن تكون له عواقب غير متوقعة.

  • إذا كان البلاطجة على معرفة خاصة بك ولديهم معلومات عن مكان سكنك والأماكن التي ترتادينها، فتأكدي من إبلاغ أصدقائك المقربين بجميع تحركاتك. تجنبي الأماكن التي ترتادينها عادة إلى أن  تهدأ الأمور.

  • فليكن عملك الصحفي هو ردك على البلاطجة. بالنسبة لي، كَوْني قد تمكنتُ من نشر التقرير والتأثير على مجرى القضية هو أقوى من الرد بالشتائم.