hello world!

 

قبل عشرة أعوام، أسست نهى عاطف لكشف الانتهاكات التي ترتكبها الشرطة والتعذيب الذي يتعرض له المصريون في السجون، لكن السلطات قامت بحجب المدونة. في هذا اللقاء، تتحدث نهى عن تجربتها مع المدونة وتسدي النصيحة لمدونين آخرين. حصلت نهى على شهادة الدكتوراة من جامعة برمنجهام سيتي عن التفاعل بين الإعلام التقليدي وصحافة المواطن. كما ألفت كتابا بعنوان  من إعلام الدولة إلى دولة الإعلام، ولديها أكثر من 145000 متابع على موقع تويتر.

بدأت التدوين بعد عام من دخولي إلى مجال الصحافة. في ذلك الوقت، لم يكن مفهوم "التدوين" معروفا ولكنني عثرت على عدة مواقع وقد جذبني محتواها. بالنسبة لي كصحفية وجدتها مثيرة للاهتمام لأنها كانت تسرد القصص من منظور شخصي بدلا من الاكتفاء بسرد الحقائق.

عثرت على موقع للمبتدئين الراغبين بإنشاء مدوناتهم الخاصة، فأنشأت موقعا لنفسي وبدأت أجرب التدوين. بدأت بنشر مقالات عن التعذيب، ثم التقيت عام ٢٠٠٥ بالمدون المصري علاء عبد الفتاح وزوجته منال وطلبت منهما النصيحة لتطوير مدونتي. في تلك الفترة كان علاء يقدم المساعدة لكل الطامحين في الدخول إلى مجال التدوين وكان الجو السياسي العام في مصر مختلفا. كانت حركة "كفاية" وغيرها من أقطاب المعارضة ناشطة، وكانت هناك رغبة في الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان.

عندما عرف علاء أنني أعمل على قضايا التعذيب، شجعني على الاستمرار وعرّفني على مدونين آخرين ساعدوني بدورهم على تطوير موقعي.

بدأنا نتحدث في مواضيع لم تكن الصحافة التقليدية توليها اهتماما في السابق. كانت هناك تجاوزات كثير من قبل الدولة: الاعتقالات وحالات الاختفاء والتعذيب. صرت أجمع التقارير من المنظمات المحلية والدولية وأنشرها على المدونة.

في ذلك الوقت كنت أعمل مع وكالة أنباء أجنبية كانت قد فتحت مكاتب لها في القاهرة مؤخرا. ومع أنني كنت نشيطة مع المعارضة إلا أنني أعتبر أنني كنت أؤدي دور "المراقبة" أكثر من دور الناشطة. كنت أراقب التطورات من حولي وأحللها ثم أنشر القصص على مدونتي. ازداد عدد الزيارات إلى الموقع مع مرور الوقت، وأعتقد أنه وصل إلى ٢٥٠٠٠ زائر بين عامي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧، وهذا الرقم كان كبيرا في ذلك الوقت.

شجعني ذلك على اتباع أسلوب أكثر منهجية في عمل، فصرت أتواصل بشكل مباشر مع ضحايا التعذيب ومع أسرهم. ثم بدأنا ننشر صور وأسماء رجال الشرطة الذين كانوا يرتكبون التعذيب بحق المدنيين، وأنشأنا صفحة وضعنا فيها أسماء السجون ووثقنا حالات التعذيب التي تحدث هناك.

كان من الضروري أن أحافظ على فصل تام بين المجالين لكي لا يشكك أحد في مصداقيتي كصحفية. أردت أن أثبت لنفسي أيضا أنه بالإمكان أن أكون صحفية مستقلة ومدونة في نفس الوقت.

في ذلك الوقت، كانت الإدارة الأمريكية تتحدث مع الحكومة المصرية عن الحاجة للسماح بالمزيد من حرية التعبير، وأعتقد أن هذا كان السبب وراء إعطائنا هامشا صغيرا من الحرية. كان بإمكاننا أن ننشر موادنا وكان الإعلام المحلي يعطينا قدرا بسيطا من التغطية لكي يتظاهروا بوجود معارضة حقيقية. عندما أعود إلى الوراء، أرى أن الإعلام المصري استغل الوضع في تلك الفترة لكي يظهر وكأنه إعلام مفتوح وحر، ولكنه لم يذهب بعيدا في تغطية تلك القصص.

استمريت في العمل مع وكالة الأنباء الأجنبية، والتي أفضل عدم الإفصاح عن اسمها، وكنت أطوّر موقعي في نفس الوقت. ولكن قام أحد بإبلاغ الشرطة عن مدونتي، واتصلت الشرطة بدورها بالوكالة. كانت الإدارة المحلية للوكالة مكونة من أفراد مصريين مقربين من النظام، وقاموا بطردي من عملي. لم أفكر آنذاك بالاتصال بالإدارة الرئيسية للوكالة في أوروبا أو التظلم ضد قرار طردي.

انتقلت بعدها للعمل في صحيفة مصرية خاصة مؤيدة للمعارضة، وكان الجو السياسي في مصر يتغير وقد شجعني ذلك على الاستمرار في التدوين.

كنت حريصة على الفصل التام بين عملي الصحفي والتدوين، إذ كنت أكتب في مواضيع مختلفة تماما. أكتب كصحفية في الشؤون الخارجية والثقافة، وأكتب كمدونة في قضايا التعذيب. إضافة إلى ذلك، لم أكن أكتب باسمي على المدونة. كان من الضروري أن أحافظ على فصل تام بين المجالين لكي لا يشكك أحد في مصداقيتي كصحفية. أردت أن أثبت لنفسي أيضا أنه بالإمكان أن أكون صحفية مستقلة ومدونة في نفس الوقت. ولا أعتقد أنه كان هناك تعارض بين عملي الصحفي ونشاطي في التدوين. كنت أشعر في ذلك الوقت أن لكل من الدورين هدف محدد، فلقد كنت أدوّن المواضيع التي لم يكن بإمكاني كتابة التقارير الصحفية عنها.

ساعدتني المدونة أيضا على تطوير مهاراتي الصحفية لأنني تعلمت المهارات الاستقصائية من القصص التي كنت أغطيها. في نفس الوقت، بدأ مدراء التحرير يدركون مدى شعبية التدوين واستغلوا الموقف، فدعوا بعض المدونين للعمل معهم. لكن بعض المدونين لم تكن لديهم خلفية في الصحافة. ثم قامت قناة الجزيرة بإنتاج فيلم وثائقي عن المدونين، وكنت أنا من بينهم، وقد جلب لنا الفيلم شهرة لكنه جلب أيضا اهتماما غير مرغوب به. فبعض من شاهدوا الفيلم أرادوا أن يدخلوا مجال التدوين أيضا لمجرد الحصول على الشهرة. وإلى حد ما فلقد كان للفيلم أثر سلبي على مصداقيتنا. تعرضت للمضايقات من قبل جهات لم ترق مدونتي لها، ووصل الحد إلى تهديد أسرتي فاضطررت للتوقف عن التدوين لفترة من الوقت.

بدأت الأوضاع تزداد سوءا في تلك الفترة. أولا، كانت هناك قضية عماد الكبير، سائق التكسي الذي تعرض للاعتداء الجنسي على أيدي رجال الشرطة، إذ تم تصوير الاعتداء وانتشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وبدأ الناس يناقشون قضية التعذيب في مراكز الشرطة بشكل أكثر انفتاحا. بعدها كانت قضية خالد سعيد، الشاب المصري الذي قتل على أيدي الشرطة عام 2010. كنت أكتب عن هذه المواضيع في مدونتي لأنني أردت أن أقول للناس ما يحدث، وأن أحثهم على التحرك. في ذلك الوقت، لم يعد الهدف مجرد سرد للحكاية.

في نفس الوقت، حصلت على منحة دراسية في بريطانيا، ولم أرغب في التدوين عن مصر من الخارج. لذلك، حاولت نقل مسؤولية المدونة إلى زملاء آخرين لكنني لم أتمكن من العثور على شخص متفرغ للتركيز على الموقع والحفاظ عليه.

تغيرت أمور كثيرة خلال الأعوام الخمسة التي أمضيتها في بريطانيا. اعتقل العديد من الصحفيين والمدونين، بمن فيهم علاء عبدالفتاح الذي ساعدني على تطوير مدونتي.

إذا كان لا يزال هناك مدونون يرغبون بالاستمرار في عملهم، فإنني أذكرهم بأن سلامتهم الجسدية تعتمد على سلامتهم الإلكترونية

لا أعرف من الذي قام بالاستيلاء على موقعي، ولكن إذا طبعت العنوان اليوم: http://tortureinegypt.net/  ستظهر مدونة حول القطن المصري عالي الجودة! ما الذي يدفع أي شخص لكتابة موضوع كهذا في موقع بعنوان "التعذيب في مصر"؟ بعد ذلك، ظهرت على الإنترنت مواقع لنساء يدعين أنهن "نهى عاطف" وأنهن صحفيات. لا أعرف إن كانت هذه الهويات حقيقية أم منتحلة لكنني حاولت الاتصال بهن دون جدوى.

لقد عدت إلى مصر وإلى هذا اليوم، بعد سبع سنوات من إغلاق المدونة، لا أزال على قائمة سوداء.

عندما تقدمت بطلب للعمل مع جامعة دولية في القاهرة، أرسلوا أوراقي إلى جهاز الأمن للموافقة على طلبي وكان الجواب سلبيا.

عندما أعود بالذاكرة إلى أيام التدوين، أتمنى لو كان لدي نظام أفضل لأرشفة القصص. لا أزال أحتفظ بالكثير منها ولكن الكثير من المعلومات الهامة ضاعت عندما تم الاستيلاء على الموقع. لقد ازداد الوضع سوءا والدولة تراقب كل الأنشطة الإلكترونية. لذا إذا كان لا يزال هناك مدونون يرغبون بالاستمرار في عملهم، فإنني أذكرهم بأن سلامتهم الجسدية تعتمد على سلامتهم الإلكترونية، ولذا عليهم توخي الحذر في كافة أنشطتهم الإلكترونية لكي يحموا أنفسهم.

 

نصائح نهى للمدونين الجدد:

حددي الموضوع أولا. إذا كنت تريدين إنشاء مدونة خاصة بك، فعليك أن تأخذي بعضا من الوقت وأن تفكري أيضا في الموضوع الذي ترغبين في الكتابة عنه. إذا كنت مراسلة أخبار مثلا، يمكنك تغطية الأخبار من خلال عملك كصحفية، وأن تستخدمي المدونة لتحليل تلك الأخبار.

يجب أن تكون أهدافك واضحة. لماذا تريدين إنشاء مدونة؟ ما هي دوافعك؟ هل هي الرغبة في إحداث تغيير ما؟ أم أنها الرغبة في الكتابة عن المواضيع التي لا يمكنك كتابتها من خلال عملك؟ يمكنك مثلا أن تغطي الأخبار السياسية كصحفية وأن تكتبي في مدونتك عن الثقافة.

الهوية. هل تنوين الكشف عن هويتك في المدونة أم الكتابة تحت اسم مستعار؟ يجب أن تناقشي هذا الموضوع مع رؤساء التحرير مسبقا وأن تذكري صراحة في المدونة هي شخصية وأن ما تكتبينه لا يعبر إلا عن رأيك فقط.

البحث والتقصي. إذا كنت تكتبين عن مواضيع حساسة، خذي الوقت الكافي للبحث عن الوقائع وأوليها ذات الاهتمام الذي تولينه لعملك الصحفي. لا تدعي للآخرين مجالا للتشكيك في مصداقيتك، حتى لو كانت المواضيع التي تتناولينها في مدونتك بسيطة.

السلامة. تعلمي أصول السلامة الإلكترونية، وعندما تكتبين تخيلي أن ضابط شرطة يقف وراءك ويرى ما تكتبينه. هو أمر محزن للغاية ولكن هذه هي الحقيقة.