hello world!

 

ريبيكا* صحفية أوروبية مستقلة. سافرت إلى البحرين العام الماضي لكي تجري تحقيقا استقصائيا. ومع أنها كانت حذرة في كل اتصالاتها الإلكترونية، إلا أنه تم اختراق حساباتها، ما أدى إلى إيذائها في عملها. ولا تزال تبعات ذلك الحادث تلاحقها إلى هذا اليوم.

بكلماتها، تقص علينا "ريبيكا" حكايتها لتكون عبرة لأي صحفي أو صحفية تجري تحقيقا استقصائيا يتناول أشخاصا أو شركات ذات نفوذ.

 

الشائعات التي كانت البداية

أتتني فكرة التحقيق في عام ٢٠١٥، عندما سمعت عن شركة توظيف للعثور على فرص في دول الخليج (تحديدا في البحرين والسعودية). كانت الشركة تعمل أيضا في بلدي، وفي ألبانيا ودول أخرى من أوروبا الشرقية، إضافة إلى شمال إفريقيا (تونس والجزائر) وجنوب آسيا.

ما وجدته غريبا هو أن الشركة كانت تطالب الباحثين عن وظائف بدفع ٢٠٠٠ دولار أمريكي لقاء خدماتها. ولكن كانت هناك شائعات أيضا بأن بعض النساء اللواتي حصلن على وظائف عن طريق هذه الشركة اختفين فيما بعد. كنت أسمع قصصا عن فتيات تم توظيفهن في مهن عادية (كمضيفات طيران، على سبيل المثال)، ولكنهن طلبن إجازة خاصة فيما بعد ليعملن خصيصا لدى بعض الشيوخ. سمعت أن بعض الفتيات تلقين دعوات لحضور حفلات خاصة أقامها شيوخ، ولكنهن اختفين بعد ذلك. هناك فتاة قيل إنها حاولت مغادرة البلاد ولكن تم إخراجها فيما بعد ولم يعد لها أي أثر.

كل هذه كانت شائعات لكنني شعرت أنها تستحق التحقيق والاستقصاء. أردت معرفة المزيد عن هذه الشركة ومن يقف وراءها، وأردت أن أعرف مصير أولئك الفتيات.

قررت العمل بشكل سري، لذا لم أتعاقد مع أي مؤسسة إعلامية قبل بدء التحقيق، وبالتالي كنت أعمل وحدي وبدون أي دعم. قررت أيضا السفر إلى البحرين، حيث لا توجد هناك سفارة لدولتي. أقرب تمثيل دبلوماسي لدولتي كان في الكويت.

كنت حذرة للغاية في اتصالاتي الالكترونية. كنت أعرف الكثير سلفا عن السلامة الالكترونية لذا كنت استخدم كمبيوترين وهاتفين، ولم يكن أي منهما مربوطا بالآخر.

العمل بشكل سري

تقدمت إلى تلك الشركة بطلب للبحث عن عمل، وحصلت على وظيفة كمضيفة طيران. وعندما وصلت إلى المنامة اكتشفت أن الرجل الذي كان يدير الشركة في بلدي ليس الرئيس الفعلي لها وإنما كان هناك مدير آخر.

كان هيكل الشركة بشكل عام مبهما، وعلى مدى الأشهر الستة التي أمضيتها هناك قمت بربط الاتصال مع عدة مصادر وحصلت على وثائق حساسة. اكتشفت أن الشركة تعمل بشكل غير قانوني. لم يكن وجودها في بلدي قانونيا، كما لم تكن مسجلة في أي من الدول التي تعمل فيها (بما فيها تونس والجزائر). اكتشفت أيضا أن الشركة كانت تتلقى اتصالات من العديد من الشيوخ الذين يبحثون عن نساء لوظائف غير محددة، وقد وافقت بعض النساء على أخذ إجازة من وظائفهن للعمل لدى الشيوخ.

ونظرا إلى حساسية القصة، كنت حذرة للغاية في اتصالاتي الالكترونية. كنت أعرف الكثير سلفا عن السلامة الالكترونية لذا كنت استخدم كمبيوترين وهاتفين، ولم يكن أي منهما مربوطا بالآخر. على سبيل المثال، كان لدي بريدين الكترونيين اثنين، وكنت حريصة على فتح كل حساب على كمبيوتر واحد فقط. وبالطبع كنت أستخدم نظام التحقق الثنائي لكل منهما. وبالنسبة للهاتفين، فقد كان لدي هاتف ذكي، والذي كنت أستخدمه للأغراض العمومية، وهاتف آخر بدائي للاتصال مع مصادري. وبالتالي ظننت أنني كنت في غاية الحذر.

كنت انطوائية أيضا وحريصة على التصرف بشكل لائق لكي أتجنب الوقوع في مشاكل. فعلى الرغم من وجود الكحول والدعارة في البحرين، إلا أنها غير قانونية، ولذا تجنبت كل مواطن الشبهات. تجنبت الذهاب إلى الحفلات ولم أكن أدعو الناس إلى بيتي. تجنبت أيضا الخروج مع رجال لوحدي، وقد حاول مدير الشركة في البحرين معاكستي عدة مرات لكنني كنت أتجنبه.

في تلك الفترة تعرفت على مصادر أكثر وحصلت على المزيد من الوثائق، وتمكنت من الوصول إلى أشخاص في مناصب عليا في البحرين والسعودية. بعد ستة أشهر، وعندما اقتربت أكثر من الحقيقة، تم اختراق حساباتي.

عثرت على حسابات باسمي ورقم هاتفي على مواقع للتعارف للبالغين، استخدم المخترقون اسمي للتحدث مع شباب وتظاهروا بأنني أعمل في الدعارة.

انتحال الهوية

لست متأكدة بالضبط من اللحظة التي تم اخترقوا فيها بريدي الالكتروني وحساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أعتقد أن ذلك تم من خلال إحدى الوثائق التي استلمها وقمت بتنزيلها على هاتفي الذكي. أدركت بعد ذلك أن قراصنة اخترقوا بريدي الالكتروني وتمكنوا من قراءة رسائلي واكتشفوا أن بحوزتي وثائق هامة عن الشركة.

أولى العلامات التي دفعتني للشك بأن حساباتي مخترقة كانت بطارية الهاتف لأنها أخذت تنفذ بسرعة كبيرة. بعد ذلك، ارتفع عدد الأشخاص الذين يتابعونني على فيسبوك وإنستاجرام مع أنني لم أكن نشيطة على أي من هذين الحسابين. ازداد عدد "طلبات الصداقة" خاصة من الرجال في بلدي.

في إحدى المرات، كنت على متن رحلة إلى أوروبا، وعندما فتحت حسابي على فيسبوك اكتشف أن هناك شخصا آخر يستخدمه في الهند، لذا سارعت إلى حفظ أكبر عدد ممكن من رسائلي الالكترونية.

بعدها بدأت تصلني رسائل غريبة على الواتساب من رجال لا أعرفهم. كانوا يرسلون لي عبارات حب مثل "أحضان" و"قبلات" وصور قلوب! تفاجأ أولئك الرجال عندما سألتهم كيف حصلوا على رقمي لأنهم ظنوا أنهم تحدثوا معي قبل ذلك على مواقع الكترونية أخرى. عندما طلبت منهم أن يرسلوا لي نسخا من تلك المحادثات أصبت بالرعب إذ عثرت على حسابات باسمي ورقم هاتفي على مواقع للتعارف للبالغين (بمعنى أنها كانت بهدف الدعارة). لقد استخدم القراصنة (المخترقون) اسمي ورقم هاتفي للتحدث مع أولئك الشباب وتظاهروا بأنني أعمل في الدعارة.

بحثت أيضا عن صوري على "جوجل" ووجدتها منشورة على مواقع أخرى دون عملي. أول ما قمت هو التأكيد لأولئك الرجال بأنني لم أتحدث معهم من قبل وأن أحدا أنشأ حسابا وهميا باسمي وبدون علمي.

بعد ذلك بدأت تصلني رسائل من مواقع إباحية ومن شركات تبيع أدوات للجنس. لم تكن هذه مجرد رسائل مؤذية وإنما تم تصوير الموضوع وكأنني مسجلة رسميا مع هذه الشركات كزبونة. لذا تخيلوا كيف يمكن أن يكون رد فعل السلطات في البحرين لو دخلوا حسابي وعثروا على تلك الرسائل!

شعرت أنني أكثر عرضة للإيذاء لأنني كنت أعمل وحدي وبدون أي دعم، خاصة لأنه لم تكن لبلدي سفارة في البحرين. اتصلت بأقرب سفارة في الكويت وحذرني السفير بأنه إذا لم أترك البلاد قد يتم اعتقالي وتوجيه تهمة البغاء لي، وقد يحاول أحد أن يدس شيئا ما في شقتي أثناء غيابي.

رفعوا دعوى ضدي بأني أرسلت رسائل تهديد للمدير. حتى أنهم اتهموني بإرسال تهديدات إلى الروضة التي يذهب إليها إبنه.

الذهاب إلى الشرطة

في هذه المرحلة أدركت أن الشركة لها صلات قوية في البحرين ما جعلني أتردد في الذهاب إلى الشرطة. لكنني كنت لا أزال بحاجة إلى وثيقة رسمية تؤكد بأنه تم اختراق حساباتي الالكترونية، لذا قررت الذهاب إلى مركز شرطة صغير بدلا من المقر الرئيسي.

من حسن حظي أنه كانت هناك شرطية في ذلك المركز وكانت متفهمة لوضعي. تقدمت بشكوى بشأن اختراق حساباتي وأعطتني تقريرا رسميا بذلك. وبهذا بات بحوزتي وثيقة للدفاع عن نفسي ضد أي تهم بالبغاء.

ولكن بعد ذلك قرر المخترقون التمادي في الموضوع.

وصلتني رسالة من محامي في بلدي قال إنه يمثل مدير الشركة، وأنهم سيرفعون دعوى ضدي بأني أرسلت رسائل تهديد للمدير. حتى أنهم اتهموني بإرسال تهديدات إلى الروضة التي يذهب إليها إبنه، في بانكوك! أرسلت للمحامي نسخة من تقرير الشرطة كدليل بأنه تم اختراق حسابي وبالتالي فإن أي رسائل تهديد لم تصدر مني وإنما من شخص آخر.

اعتقدت أن ذلك سيعطيني فسحة من الوقت لكي أغادر البلاد.

محاولات الرحيل

مع أنه من الصعب إثبات ما أسأقوله بالدليل القاطع، إلا أنني أعتقد أن الشركة حاولت استخدام وساطاتها في البحرين لكي تمنعني من مغادرة البلاد.

حاولت أكثر من مرة أن أغادر المنامة، وفي كل مرة أصل إلى المطار يقولون لي إنه تم إلغاء حجزي لأن هناك زيادة في الحجز على الرحلة. في إحدى المرات، اشتريت التذكرة قبل موعد الرحلة بثلاث ساعات فقط كي لا يتسنى لهم التلاعب بها. ولكن عندما وصلت إلى المطار منعتني السلطات البحرينية من الصعود إلى الطائرة لأنه لم تكن بحوزتي تأشيرة للدخول إلى الكويت. كنت أعرف أن هذه مجرد ذريعة لأنني كنت أحمل بطاقة هوية للمقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى جواز سفر أوروبي، وهاتين الوثيقتين كافيتين للسفر. تشاجرت مع المسؤولين في المطار ولكنهم أصروا على إعادتي.

أخيرا قررت القيام بإجراءات مختلفة. بما أنني كنت مضيفة طيران، كان بإمكاني شراء التذكرة من موقع دولي غير مرتبط بالحكومة. فتقدمت بطلب بشراء تذكرة قبل مغادرتي فورا إلى المطار. وعندما وصلت إلى المطار توجهت إلى مكتب الخطوط القطرية بدلا من البحرينية، وهكذا تمكنت أخيرا من المغادرة.

الكثير من الصحفيين لا يولون السلامة الإلكترونية ذات الاهتمام الذي يولونه لسلامتهم الجسدية، ولا يدركون أن السلامة الإلكترونية لا تعني فقط حماية أنفسهم وإنما حماية مصادرهم أيضا.

تبعات الحادثة

بمجرد عودتي إلى بلدي، أخذت كمبيوتري وهواتفي إلى أخصائي لكي أعرف كيف تم بالضبط اختراق حساباتي. اكتشفت أن الاختراق تم عن طريق هاتفي الأندرويد (سامسونج)، والآن أصبحت أدرك أنه أسهل اختراقا من جهاز الأيفون. وكما كان ظني، فقد تم الاختراق عن طريق فيروس كان في إحدى الوثائق التي أرسلت لي في سياق التحقيق الاستقصائي. ولكنني لا أعرف بالضبط كم المعلومات التي تمكنوا من سلبها من هاتفي (الأسماء، الأرقام، البيانات).

استمر محامي الشركة في ملاحقتي لأربعة أشهر بعد عودتي إلى بلادي، ما اضطرني إلى توكيل محام لتولي القضية. إلى اليوم، لم توجّه أي تهم رسمية ضدي، ولكنني أتجنب السفر إلى الدول التي تعمل فيها هذه الشركة، وبالطبع لا يمكنني العودة إلى الخليج في الوقت الحالي.

لم أتمكن من إكمال التحقيق لأنني أدركت أن القضية أكبر مما كنت قادرة عليه لذا سلمت المعلومات التي حصلت عليها إلى صحفي آخر لأن القصة كانت أكبر مني بكثير.

ومع ذلك، فلقد حققت نجاحا صغيرا، إذ قمت بتبليغ الشرطة في بلدي عن هذه الشركة ولم يمكن بإمكانهم العمل هنا.

منذ ذلك الوقت، أصبحت أكثر حرصا على السلامة الالكترونية وأخذت ثلاثة دورات إضافية. الآن عندما أتصفح على الإنترنت أستخدم "وضع المتخفي" (incognito) حتى لا يتمكن أحد من معرفة المواقع التي أزورها. لم أعد أستخدم الواتساب بل أفضل استخدام تطبيق MeetJitsi وأحاول أن لا أكتب كثيرا، بل أفضل الحصول على المعلومات شفهيا (أي بإجراء اتصال عبر التطبيق)، ثم أتحقق من صحة المعلومات من مصادر أخرى.

قررت التحدث عن تجربتي لأن الكثير من الصحفيين لا يولون السلامة الإلكترونية ذات الاهتمام الذي يولونه لسلامتهم الجسدية، ولا يدركون أن السلامة الإلكترونية لا تعني فقط حماية أنفسهم وإنما حماية مصادرهم أيضا. ما حدث لي قد يحدث لأي صحفية، وقد لا يسعفها الحظ وتتمكن من مغادرة البلاد.

 

*تم تغيير اسم الصحفية حفاظا على سلامتها. وهي الآن تعيش في بلدها في أوروبا.