hello world!

 

كثيرا ما يقول الضيف خارج المقابلة أمورا أكثر مما يقول أثناءها. فقد تذهبين إلى مقابلة بقائمة محددة من الأسئلة، ويجري اللقاء كما كان مخططا، ولكن بمجرد أن تنتهي من التصوير بالكاميرا أو تغلقي المسجل، وتحاوري ضيفك بأسلوب عفوي، يبدأ الضيف بسرد قصص ومعلومات قيمة لأنه يكون أكثر ارتياحا. الهدف هو ليس إيقاع الضيف في فخ، فإذا قال أمرا هاما  بعد المقابلة، اطلبي منه الإذن باستخدام هذه المعلومة.

من بين المقابلات المفضلة التي أجريتها مقابلتان مع رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، واللتان نشرتا معا في صحيفة الحياة عام ٢٠١٣. بالنسبة لي كان إنجازا هاما أن أجري لقاء مع أكبر زعيمين سياسيّين في فترة حاسمة من تاريخ تونس، خاصة لأنهما كانا على طرفي نقيض ولأنهما لم يتحدثا لوسائل الإعلام كثيرا في تلك الفترة.

أقر بأنه لا يمكنني دائما أن أفصل آرائي السياسية والشخصية، وهذا الأمر يؤثر على مقابلاتي. أحاول أن أكون متوازنة ولكن ذلك صعب

ولأنني كنت على مسافة مما يحدث في تونس، بمعنى أنني لم أكن منخرطة سياسيا ولا شخصيا بما كان يحدث هناك، فقد تمكنت من طرح الكثير من الأسئلة. على سبيل المثال، تمكنت من الحصول على إقرار من الغنوشي بوجود عناصر سلفية ضمن حركة النهضة، وكان ذلك خبرا أساسيا. وأثناء اللقاء مع السبسي، والذي كان في الثمانينيات من العمر، سألته عن سنه وكيف له أن يمثل الثورة طالما أنها في الأساس ثورة شبابية. أذكر أن مساعدتي التونسية صدمت عندما طرحت هذا السؤال، ولكن أعتقد أنني كنت مرتاحة في طرح الأسئلة لأنني بعيدة سياسيا عن تونس.

 لم أدرك مدى أهمية تلك الأسئلة وهذه الحرية في الطرح إلا بعد نشر المقابلتين.

نحن نعيش ونعمل في منطقة حيث لنا مواقف سياسية وشخصية حيال ما يجري حولنا، وأنا مدركة لذلك في تغطيتي للشأنين السوري واللبناني، وأقر بأنه لا يمكنني دائما أن أفصل آرائي السياسية والشخصية، وهذا الأمر يؤثر على مقابلاتي. أحاول أن أكون متوازنة ولكن ذلك صعب.

أسوأ مقابلة أجريتها كانت بينما كنت أعمل على مشروع كتاب عن التحولات الطائفية في المجتمع اللبناني وتأثرها بالأزمة في سوريا. كنت أجري مقابلات مع زميل، وبعض الناس الذين التقينا بهم كانوا محافظين إلى درجة أن النساء أيضا كن يفضلن الحديث مع الرجل من الحديث معي. أحد الرجال رفض حتى النظر إلي. كلما طرحت عليه سؤالا كان يوجه إجاباته إلى زميلي. ضقت ذرعا وقلت له بحزم أنني أطرح الأسئلة ولكنه استمر في تجاهلي. تضايقت كثيرا وتوقفت عن طرح الأسئلة. كان بإمكاني أن أعطي أسئلتي إلى زميلي ليطرحها بالنيابة عني لكني كنت غاضبة ولم أفكر بالحل السليم.

هناك حيلة أستعملها كثيرا وهي الاستئذان للذهاب إلى الحمام، حتى ولو لم أكن فعلا بحاجة إلى ذلك. فهذه وقفة قصيرة قد تساعد الضيف على الاسترخاء كما أنها فرصة لكي تتعرفي أكثر على المكان الذي تجري فيه المقابلة. عندما كنت أجري اللقاء مع الغنوشي، اصطحبتي إحدى مساعداته إلى الحمام ولاحظت أن بعض الموظفات في مكتبه لا يرتدين الحجاب. حتى وإن لم تنشر هذه المعلومة في المقابلة فإنها تعطيك فكرة أفضل عن الشخص الذي تحاورينه وعن قيمه.

أعرف أنه طلب مربك ولكن تذكري أن بعض المسؤولين قد لا يسمحوا لك بالتجول في مكاتبهم والتعرف على المكان، ولكنهم لن يرفضوا طلبك باستخدام الحمام!

 

الصورة: رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي وزعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، واللذين أجرت معهما بيسان الشيخ لقاء لصحيفة الحياة عام ٢٠١٣