hello world!

 

قد نضطر كصحفيات للذهاب إلى أماكن لا يمكن فيها ضمان سلامتنا الشخصية. حتى وإن كنت لا تعملين في مناطق الصراع، فمجرد الذهاب إلى مظاهرة أو مخيم للاجئين مثلا أو حتى إلى تجمع كبير قد يمثل تهديدا لسلامتك. نستمع إلى صحفيتين اثنتين تعرضتا لمواقف خطرة ولكنهما تمكنتا من الحفاظ على سلامتهما.

في عام ٢٠٠٦، كانت الصحفية العراقية سؤدد الصالحي في جولة مع زملاء لتغطية قصة وصفتها ب"العادية" في بغداد. ومع أنها لا تتذكر الآن ما هي تلك القصة، إلا أنه من المستحيل أن تنسى ما حدث معها في ذلك اليوم.  

"في ذلك الوقت، كانت جماعة التوحيد والجهاد قد أعلنت سيطرتها على أحد الشوارع الرئيسية في بغداد. ذهبنا إلى ذلك الشارع، فجأة، خرج جنود أمريكيون من الأزقة، وخرج مسلحون عراقيون أيضا ولا نعرف كيف ظهروا جميعا." وفي ظرف لحظات، بدأت المروحيات تحوم فوق رؤوسهم وتحول الشارع الهاديء إلى ساحة معركة.  "كانت الأصوات تأتي من كل مكان فلم نتمكن من تحديد مصدر النيران. تمكننا أنا وزملائي بطريقة ما من العثور على جدار للاحتماء به. فركضنا إلى هناك وأسندنا ظهرونا إلى الجدار ثم نزلنا على الأرض وأخبأنا رؤوسنا، وبقينا في ذلك الوضع لفترة طويلة إلى أن توقف القتال."  

في ذلك الوقت، لم تكن سؤدد قد تلقت أي تدريب مهني في السلامة الميدانية. ولكنها اليوم تدرك أنها لو كانت قد تدربت آنذاك لما كانت قد نزلت إلى منطقة خطرة لمجرد تغطية "قصة أو خبر عادي". كان بإمكانها أن تطلب من رئاسة التحرير تـأجيل القصة لأن المنطقة تحت سيطرة مسلحين وبالنظر إلى خطورة الوضع. أما إذا كان عليها أن تذهب إلى هناك، فلكانت درست خارطة الشارع بحذر وتعرفت على الأماكن الآمنة والمخارج التي يمكن استخدامها في حالة الطواريء. وقطعا لم تكن لتقف في منتصف الشارع، حتى لو كان الجو هادئا وآمنا في تلك اللحظة.  

"أعرف الكثير من الصحفيين العراقيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء تغطية القتال في الفلوجة. أعرف تفاصيل ما حدث لهم وكيف ماتوا. لو أنهم تلقوا تدريبا مهنيا حول السلامة الميدانية لكان الكثير منهم معنا اليوم."

وتقول سؤدد: "أعرف الكثير من الصحفيين العراقيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء تغطية القتال في الفلوجة. أعرف تفاصيل ما حدث لهم وكيف ماتوا. لو أنهم تلقوا تدريبا مهنيا حول السلامة الميدانية لكان الكثير منهم معنا اليوم."  

خضعت سؤدد لدورات عدة بعد أن انتقلت للعمل مع كل من وكالة رويترز وصحيفة النيويورك تايمز، ولذا فقد أصبح لديها الكثير من النصائح التي تسديها للأعضاء في شبكة ماري كولفن للصحفيات. من الضروري تذكر هذه النصائح لأنها مهمة سواء أثناء تغطية النزاعات المسلحة أو المظاهرات أو مجرد الذهاب إلى أماكن مكتظة حيث لا يزال احتمال وقوع عنف أو إصابات واردا. "أول وأهم شيء هو أن لا تعتبري الهدوء أمرا مسلما أو مفروغا منه، لأن العنف قد يقع فجأة وبدون إنذار. لذا يجب أن تكوني على دراية بكافة المخارج والأماكن التي يمكنك الاختباء فيها."

سواء كان ذلك مجرد جدار أو دكان أو أحد الأزقة، فإن سؤدد تتأكد دائما قبل خروجها في مهمة ما من أنها تعرف المناطق الآمنة والمخارج كي تختبيء أو تحمي ظهرها في حال وقوع عنف. هذا أيضا يعني أنه أثناء تغطية المظاهرات فإن سؤدد تقف دوما إلى جانب التظاهرة بدلا من الدخول إلى قلبها. وتشرح السببب وراء ذلك قائلة: "تجنبي أي موقف تجدين نفسك فيه محاطة من قبل الجماهير، وتجنبي الانخراط في الحدث إلى درجة تنسين معها مواقع المخارج والأماكن الآمنة."

ولكن من المعروف أنه لا يمكن للصحفي أن يتجنب تماما المواقف التي سيجد نفسه فيها محاطا بجماهير أو أناس كثيرين، وأنه يجب على الصحفي في بعض الأحيان أن يفكر بسرعة للخروج من موقف كهذا وتجنب وقوع إصابات له ولفريقه. هذا هو ما حدث مع نجلاء أبومرعي في مدينة كاليه الساحلية الفرنسية، عندما كانت تغطي أزمة اللاجئين عام ٢٠١٥ لقناة بي بي سي العربية.  

"كنا نصور فيديو للاجئين وهم يقفزون على الشاحنات المتجهة عبر سفن خاصة إلى بريطانيا. وفجأة، بدأت شرطة مكافحة الشغب الفرنسية بملاحقة اللاجئين مستخدمين العصي، وقبل أن نستوعب ما يحدث من حولنا، رأينا اللاجئين يركضون نحونا فاضطررنا للركض معهم أيضا. كان رجال الشرطة يلاحقون كل من يعترض طريقهم، سواء كانوا لاجؤون أم لا." عندما تجد صحفية نفسها في وضع كهذا فإن التفكير والتصرف بسرعة ودقة قد يكون صعبا. وتقول نجلاء: "قد يمد أحد اللاجئين يده ليساعدك على الهرب وقد يكون هذا الأمر جيدا من ناحية. ولكن، من ناحية أخرى، قد تراكِ الشرطة وتعتبركِ لاجئة لأنك تركضين معه."  

وقد تلقت نجلاء، مثل سؤدد، تدريبا مهنيا في السلامة المدنية عن طريق البي بي سي. وبالإضافة إلى تعلم احتياطات السلامة (كتحديد المخارج والمواقع الآمنة للاحتماء من الرصاص أو الضرب)، تقول نجلاء إنها تعلمت أيضا أن الدبلوماسية في التعامل هي الخطوة الأولى للتخفيف من حدة التوتر عندما يكون الجمهور غاضبا. ففي ذات الرحلة في كاليه، أرادت نجلاء والمصور الذي كان معها تصوير لقاء مع لاجيء سوري. ولم تعثر على موقع هاديء لتصوير المقابلة سوى مقهى صغير.   

"لم يكن الشخص الذي ننوي مقابلته محبوبا من قبل اللاجئين الآخرين لأن البعض اعتبره محسوبا على النظام السوري. عندما بدأنا بتصوير المقابلة وجدنا أنفسنا فجأة محاطين بخمسة رجال. وقفوا فوق رؤوسنا وبدؤوا بالصراخ علينا لأنهم أرادوا إيقاف المقابلة. بعد قليل، صار الجمهور يكبر من حولنا."  

"كان الوضع حساسا لأن المصور صار يشعر بالارتباك. فكان علي أن أتحدث إلى الجمهور الغاضب من جهة وأن أترجم للمصور وأطلب منه أن يحافظ على هدوئه من جهة أخرى لأن التوتر الذي كان يبديه قد يزيد الوضع سوءا."  

لم تكن نجلاء مسؤولة عن سلامتها الشخصية فقط، وإنما كانت مسؤولة أيضا عن سلامة الشخص الذي كانت تجري معه المقابلة وعن سلامة المصوّر الذي لم يكن يتحدث اللغة العربية وبالتالي لم يفهم ما يجري من حوله. "كان الوضع حساسا لأن المصور صار يشعر بالارتباك. فكان علي أن أتحدث إلى الجمهور الغاضب من جهة وأن أترجم للمصور وأطلب منه أن يحافظ على هدوئه من جهة أخرى لأن التوتر الذي كان يبديه قد يزيد الوضع سوءا."  

عندما ازداد عدد الرجال الغاضبين من حولها، شعرت نجلاء أن احتمال تعرضهم للضرب بات واردا، وبالتالي كان أمامها خياران اثنان: إما مغادرة المقهى بسرعة ولكن بأسلوب ودي، ما يعني أنه من الصعب العثور على مكان آخر لإجراء المقابلة، أو تنفيس الاحتقان بأن تعرض عليهم الفرصة لإجراء مقابلة معهم أيضا لكي يعبروا عن أنفسهم. فقررت أن تجرب الخيار الثاني. "لم يكن هذا الخيار سهلا لأن بعضهم لم يقتنع بعرضنا، فاضطررت للبحث عن قائد المجموعة وخرجت لأبحث عنه. كنت قلقة طيلة الوقت على سلامة المصور والرجل الذي كنت سأجري المقابلة معه." 

وتمكنت نجلاء في النهاية من العثور على القائد الذي تحترم المجموعة رأيه، وتمكنت من إقناعه ومن تصوير مقابلتها بسلام. وتقول: "في ظروف كهذه، يجب عليكِ التفكير والتصرف بسرعة." 

تقول سؤدد أيضا إنها تعلمت من خلال تجربة العمل في أماكن مكتظة أنه يجب أن تبقى حواسّها دقيقة على مسارين: الحصول على المقابلة أو الخبر من جهة، ومراقبة الظروف من حولها والانتباه لأي إشارات خطر."في عام ٢٠١١، كنت مع طاقم إعلام أجنبي في محافظة الأنبار. وبينما كان الطاقم منهمكا في تصوير مقابلة، سمعت رجلين يتهامسان على مقربة منّا. وبينما كنت أركز على المقابلة قمت بالتركيز أيضا عليهما وعندها أدركت أنهما كانا يخططان لاختطافنا. لذا نبّهت الطاقم إلى ذلك وانسحبنا من المكان بهدوء وبسرعة." 

تدرك كل من سؤدد ونجلاء أنهما محظوظتين لأنهما حصلتا على تدريب متخصص في السلامة الميدانية، وهي فرصة ليست متاحة للكثير من الصحفيات العربيات. ولكن في غياب فرص كهذه، لا تزال هناك العديد من المصادر والمقالات والفيديوهات المتوفرة على الانترنت. إضافة إلى ذلك، هذه قائمة بأهم النصائح من سؤدد ونجلاء حول السلامة الميدانية. سواء كنتِ تغطين صراعا مسلحا أو مظاهرة، أو بمجرد ذهابك إلى مكان مكتظ فإن هذه النصائح مفيدة للحفاظ على سلامتك قدر الإمكان. 

 

نصائح من سؤدد ونجلاء حول السلامة الميدانية 

  • تعرفي على الأماكن التي يمكنك الاحتماء فيها في حال وقوع عنف ولا تتركي ظهرك مكشوفا. قبل أن تتوجهي إلى منطقة خطرة، ادرسي كافة الخرائط المتوفرة وتحدثي إلى الزملاء الذين ذهبوا إلى هناك من قبل لكي تتعرفي على المخارج والمناطق الآمنة (كالأزقة أو المحلات). 
  • تجنبي الوقوف في وسط الحشود وحاولي دائما البقاء على أطراف أو جوانب التظاهرات، وبالقرب من المخارج. لا تتيحي الفرصة للحشود أو الجماهير أن تقوم بحشرِك (سواء بالخطأ أو عن طريق العمد) 
  • استخدمي أو احملي دائما إشارات تدل على أنك صحفية، ولا تحملي أي شعارات أو يافطات من التظاهرة لأن ذلك قد يعطي السلطات الانطباع الخاطيء بأنك من المتظاهرين. 
  • احتفظي بآرائك السياسية لنفسك وتجنبي استفزاز الآخرين. فتقول سؤدد أنها ترى أن الكثير من الصحفيين العراقيين لا يفرقون بين السياسة والصحافة. وأن بعضهم يتعمد استفزاز المتظاهرين أحيانا بأسئلة مسيّسة وتفتقر إلى المهنية. ومن الناحية الأخرى فإن بعض الصحفيين ينخرطون في التظاهرات ويشاركون فيها بينما يقومون بتغطيتها في نفس الوقت وهذا أمر خاطيء لأنه يدفع قوات الأمن لاستهدافهم أحيانا بحجة أنهم متظاهرين. 
  • حافظي دائما على هدوئك وحاولي أن تفكري وتتصرفي بسرعة. ولا تدعي المجال للآخرين لاستفزازك. الجئي للدبلوماسية في التعامل، كلما أمكن ذلك، لتفادي التوتر أو التخفيف من حدته. 
  • إذا كنت تعملين ضمن فريق، يجب أن يتم اختيار قائد. تقول نجلاء إن هذا الأمر في غاية الأهمية خاصة إذا كان هناك شخص واحد في الفريق يتحدث لغة الأفراد الذين يتم إجراء اللقاء معهم. فإذا أصبح الوضع خطرا، يجب أن يعتمد الفريق على شخص واحد لاتخاذ قرارات بسرعة، ويجب أن يتفقوا جميعا على اختيار ذلك القائد قبل ذهابهم إلى أي مهمة.